وكانت حنون من بين المبادرين إلى طلب لقاء الرئيس بوتفليقة قبل سنتين، وتبنت التحليل القائل بأن مرضه لا يسمح له بالاطلاع الكافي على القرارات الأخيرة التي تؤخذ باسمه، لكنها لم توفّق بلقائه، على رغم أنها تتجنب دائماً الخطاب الحاد تجاهه، على عكس الحكومة التي تخصّها دائماً بنقد لاذع. ويحمل خطاب حنون مخاوف من أن استمرار النظام الحاكم سيؤدي إلى تنازلات لقوى أجنبية، لذلك هي تدعو إلى انتخاب مجلس تأسيسي يعيد صياغة الدستور، وترفض الذهاب إلى انتخابات في الظرف الحالي «لن تحل مشاكل الجزائر، بل على العكس، يمكن أن تزيد من حدة خطورتها في ظل احتقان اجتماعي متزايد، ووضع دولي حامل لكل الأخطار».
في حال إعلان بوتفليقة ترشّحه ستكون إمكانية المنافسة معدومة
وفي حال تأكد عدم مشاركة حنون، سيشكل ذلك ضربة معنوية للسلطة، التي تراهن دائماً على تشكيلة متنوعة من المرشحين لإنجاح ما تسميه «العرس الانتخابي». وعلى رغم أن حظوظ حنون في المنافسة ليست بالقوية، إلا أن مشاركاتها المتكررة في الرئاسيات أخذت الطابع الرمزي، كونها أول امرأة عربية تقتحم حاجز الترشح. كما أنها تمثل ــــ إضافة إلى ذلك ــــ صوت اليسار الذي يكاد يختفي في الجزائر، لمصلحة خطاب ليبرالي يروج بقوة لاقتصاد السوق وخصخصة المؤسسات العمومية.
ومن بين أهم الشخصيات التي أسقطت فكرة الترشح أيضاً، وزير الطاقة السابق شكيب خليل، الذي نشر بياناً على صفحته الرسمية في «فيسبوك» أعلن فيه عدم خوضه المعترك الرئاسي، مؤكداً «دعمه المطلق لأي قرار يتخذه الرئيس بوتفليقة». ويحمل كلام الوزير السابق إشارات إلى أنه ملتزم بدعم الرئيس في حال ترشّحه، أو دعم من يختاره الرئيس في حال العكس. ويعتبر شكيب خليل من الشخصيات الجدلية في الجزائر، فقد لوحق في سنة 2013 من القضاء الجزائري بتهم فساد ثقيلة، لكنه استطاع مغادرة البلاد إلى الولايات المتحدة الأميركية التي يمتلك الإقامة بها، ثم عاد مرة أخرى بعد الانتخابات الرئاسية عام 2014 إلى وطنه، من دون أن يتحرك القضاء ضده في قضية لا تزال غامضة إلى اليوم. ويتحرك خليل منذ تلك الفترة باتجاه الزوايا الدينية التي لديها أتباع بالآلاف، كما يلقي محاضرات في الجامعات حول الإصلاح الاقتصادي. وطوّرت هذه الشخصية «التكنوقراطية» في الفترة الأخيرة خطاباً سياسياً خاصاً بها، يتهم اللوبي الفرنسي في الجزائر بالتحكم بالثروة وإعاقة الإصلاحات. ونُظر إلى هذا الوزير في السابق على أنه مرشح مدعوم من الولايات المتحدة، في إطار الصراع بينها وبين فرنسا على النفوذ الاقتصادي والسياسي في الجزائر. وقيل إن خليل الذي ينحدر من ولاية الرئيس (تلمسان) نفسها، يُحضّره الجناح الرئاسي في النظام ليخلف الرئيس بوتفليقة، لكن كل ذلك بقي مجرد تأويلات.
وعلى المنوال نفسه، قرر أبو جرة سلطاني، وهو أحد قادة التيار «الإخواني» في الجزائر، عدم دخول المعترك الانتخابي. وبررّ وزير الدولة السابق موقفه بالغموض الذي لا يزال يلف الرئاسيات، ولا يشجع الجادين على الإقدام. وأضاف إلى ذلك إن الترشح باسم التيار الإسلامي في الظرف الحالي لا يوصل إلى سدة الحكم. ويعتبر سلطاني، الذي ترأس حركة «مجتمع السلم» لفترتين، من الشخصيات المهادنة للنظام، والتي تنادي دائماً بالمشاركة في الحكومة ودعمها، على رغم أن حزبه الذي يقوده حالياً عبد الرزاق مقري، يخالف هذه النظرة تماماً.
تعزز مواقف هذه الشخصيات، التي تعتبر مقربة إلى حد ما من أصحاب القرار، الاقتناع بأن الرئيس بوتفليقة ومحيطه يحضران لإعلان ترشحه لولاية خامسة الشهر المقبل، وهو ما يجعل إمكانية المنافسة معدومة في ظل ما يلقاه الرئيس من دعم كبير من داخل منظومة الحكم، وخاصة من رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، ناهيك عن أحزاب الموالاة التي أسقط زعماؤها كل طموحاتهم الشخصية، ودعوا جماعياً الرئيس إلى الترشح. لكن أكثر ما يؤرق محيط الرئيس في الفترة الحالية هو الحالة الصحية لبوتفليقة، والتي تشير بعض التسريبات إلى أنها تدهورت بشكل كبير، بما لا يسمح له باستيفاء متطلبات الترشح الشكلية على الأقل. وما زاد من قلق أنصاره في اليومين الأخيرين على الأقل، أن الرئيس لم يستقبل شخصية بحجم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي زار الجزائر، ما أثار العديد من علامات الاستفهام.