في الأسابيع القليلة الماضية، ساد مناخ من التوتّر على العاصمة الليبية. أصدرت الميليشيات الطرابلسية النشطة ضمن تحالف «قوة حماية طرابلس»، بيانات تحذير من محاولة المساس بالعاصمة، اتهمت وزير الداخلية الجديد، فتحي باشاغا، بالوقوف وراءها. وردّ «اللواء السابع» (أو «الكانيات» كما يعرف شعبياً، وذلك نسبة إلى عائلة الكاني التي تقوده) على خصومه، ببيانات أعلن فيها التزامه التهدئة، ووقف إطلاق النار اللذين ثبّتا، على نحو هش، في أيلول/سبتمبر الماضي، بعد نحو شهر من القتال الدامي.لم يتأخر الانتقال من البيانات إلى الميدان، إذ انفجرت، صباح أمس، اشتباكات بين الخصمين جنوب المدينة. تركز تبادل إطلاق النار في منطقة قصر بن غشير خاصة، التي تؤوي عدداً من العائلات المتحدرة في الأصل من مدينة ترهونة القريبة، التي يتشكل «اللواء السابع» من أبنائها أساساً. وأعلنت جهات طبية تسلّمها جثث 3 قتلى و19 جريحاً، وهو رقم مرجّح للارتفاع.
توقفت الدراسة، وعمّ الهلع في صفوف مواطني جنوب العاصمة، الذين نزح آلاف منهم عن منازلهم في موجة القتال السابقة، واتخذت بلدية ترهونة قراراً احترازياً بوقف الدراسة، وفرض حظر تجوال لمدّة يوم. أما وزارة الداخلية، فقد اتهمت في بيان، «مجموعات مسلحة غير منضبطة»، بمحاولة «فرض أجندتها على الدولة، في الوقت الذي بدأت فيه الأمور داخل طرابلس تتجه إلى الاستقرار».
لم يقف البيان عند ذلك الحد، بل ذهب إلى تقديم سبب المواجهات العسكرية، وهو تسليم حماية مقر مطار طرابلس الدولي، الذي لا يزال خارج الخدمة، منذ حرقه عام 2014، ضمن معارك «عملية فجر ليبيا»، لـ«الغرفة الأمنية في ترهونة». لكن البيان، يستغرب حدود الاشتباكات بعد التسليم، الذي حصل، أول من أمس، وكأن وزارة الداخلية كانت تنتظر من ميليشيات طرابلس أن تصمت، وهي ترى اختراقاً في مجال نفوذها.
لم يرد تسليم المطار إلى قوات مدينة ترهونة في اتفاق إنهاء الحرب الأخيرة، كل ما جاء كان نشر قوات في العاصمة، ينتمي أفرادها إلى جميع المدن. لكن يتّضح الآن أن نية «اللواء السابع» من الحرب، كانت تحصيل موطئ قدم في العاصمة، للاستفادة منه سياسياً ومادياً، لا «القضاء على دواعش المال العام»، كما ادعى حينها في بياناته.
لكن، تبدو حسابات الحرب مختلفة هذه المرة، إذ تنتشر أخبار عن دخول آمر المنطقة العسكرية الغربية، التابع للجيش الرسمي، أسامة الجويلي، على الخط. تقول المعلومات إن الجويلي، الذي ينحدر في الأصل من مدينة الزنتان، وله فيها نفوذ عسكري قوي، يحاول التمركز في مناطق قريبة من ترهونة، استعداداً لمهاجمتها أو تطويقها في حال تصاعد القتال، مع العلم أن الرجل بقي على الحياد في الحرب الأخيرة، بل كلفته حكومة «الوفاق»، ترؤس لجنة فضّ النزاع بين المتحاربين! ويذهب بعض المراقبين إلى أن الرجل يحاول إبراز صورته، تطلعاً لأداء دور سياسي في الفترة المقبلة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المقررة هذا العام.
في خضمّ كل ذلك، تحاول بعثة الأمم المتحدة ورئيسها، غسان سلامة، احتواء الاشتباكات، إذ أعلنت في بيانها، أمس، أنها «تراقب من كثب، التحركات العسكرية الأخيرة»، محذرة من «مغبة خرق اتفاق وقف إطلاق النار». وفي تهديد إلى إمكانية لجوئها إلى سلاح العقوبات الدولية، قالت البعثة إنها ستحمّل المسؤولية لـ«كلّ من يفتح النار»، وإنها «لن تقف مكتوفة الأيدي، وستتخذ كافة التدابير والإجراءات المتاحة، بناءً على تطوّر الأحداث على الأرض».