كان لافتاً أن تلتقي فكرتا حزبين في السلطة والمعارضة، على تأجيل الانتخابات، حتى وإن كانت أسباب كل منهما مختلفة في هذه الدعوة. ذلك أن الإجماع على التأجيل يعني منطقياً نهاية مشروع الولاية الخامسة لبوتفليقة، الذي روّجت أحزاب الموالاة له في الفترة الماضية، بينما بنت المعارضة كل خطابها على التحذير منه، لكون الرئيس في نظرها غير قادر، في ظل ظروفه الصحية الحالية، على قيادة البلاد.
ما يرجّحه محللون سياسيون في الجزائر، أنّ ثمة إيعازاً من الرئاسة إلى الأحزاب التي تساندها، بالترويج لفكرة التمديد للرئيس بوتفليقة، بدل الحديث عن ترشحه لولاية خامسة، وذلك لصعوبة إقناع الجزائريين بإمكانية مواصلة الرئيس الحكم لـ5 سنوات أخرى، وهو في قواه الحالية، علماً بأنه لم يتوجه بخطاب جماهيري منذ أكثر من 6 سنوات، كذلك إن التسويق لمواصلة بوتفليقة الرئاسة لولاية أخرى، لدى القوى الدولية المهتمة بالشأن الجزائري، يبدو كذلك صعب المنال.
يشدد عضو المكتب السياسي لحركة «مجتمع السلم»، الداعية إلى تأجيل الانتخابات، ناصر حمدادوش، على أنّ فكرة حزبه تختلف تماماً عن أجندة أحزاب الموالاة التي تريد التمديد للرئيس فقط. وقال في حديث إلى «الأخبار»، إنّ «فكرة التأجيل لا تزال مجرد مقترح، وهو جزئية ضمن رؤية كلية، ويختلف عن التمديد، ولا بد أن يكون بشروط، ومنها: الاتفاق على هذا الأجل، وأن يتضمن إصلاحات عميقة وشاملة، وأن يكون في إطار التوافق الوطني، وبمشاركة الجميع من دون إقصاء، ضمن رؤية سياسية واقتصادية حقيقية». وأضاف حمدادوش أنّ «هذا السيناريو هو بديل من الولاية الخامسة، ومن مرشح آخر بالطرق التقليدية نفسها، ومن التمديد دون إصلاحات... ولا بد أن يكون هذا التأجيل ضمن شرعية التوافق الوطني».
لم يتوجه بوتفليقة بخطاب جماهيري منذ أكثر من ست سنوات
وبشأن تجاوب أحزاب المعارضة مع فكرة حركة «مجتمع السلم»، أوضح أنّ الجميع في الساحة السياسية، يعترف «بالأزمة المتعددة الأبعاد، وبحالة الانسداد والشك، وبأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، في ظلّ هذه الظروف، وبالطرق التقليدية السابقة نفسها، ومن دون توافر شروط المنافسة النزيهة أصبح غير ممكن، فالجميع يبحث عن مخرج، وخاصة عندما يكون جماعياً وبرؤية توافقية، وهو ما يعطي فرصة لنجاح هذا السيناريو، وتفضيله على غيره». غير أنّ كثيراً من المتفاعلين مع فكرة تأجيل الانتخابات، اعتبروا أن غاية «مجتمع السلم» من طرحها بعد اقتناعها بعدم مواصلة الرئيس بوتفليقة، قطع الطريق أمام الوزير الأول الحالي، أحمد أويحيى، الذي يحظى بفرص وافرة لخلافة الرئيس بوتفليقة. ويُعدّ أويحيى خصماً عنيداً للتيار الإسلامي في الجزائر، ووصوله إلى الرئاسة يعني استمرار سياسات النظام الحالي نفسها، التي تراها المعارضة كارثية في المستقبل القريب للجزائر، التي تواجه أزمة اقتصادية كبيرة.
وبغضّ النظر عن المبررات السياسية لدعاة تأجيل الانتخابات، تصطدم هذه الفكرة بالدستور، الذي لا ينصّ على التمديد في الولاية الرئاسية إلا في حالة «الحرب» فقط. كذلك إن تأجيل الانتخابات سيكون خياراً في غاية الإحراج للسلطة الجزائرية أمام الخارج، لكونها ستبدو عاجزة عن ضمان تداول على رئاسة الجمهورية عبر انتخابات تجري في موعدها، وهو ما قد يثنيها، وفق بعض القراءات، عن الدخول في هذه المتاهة غير الدستورية.