تونس | تقابل مساء أول من أمس كلّ من رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي في قصر قرطاج، لكنّ الاجتماع، على عكس سابقيه، كان له تأويلان مختلفان. من جهة، لم تعلن رئاسة الجمهوريّة عن اللقاء وفحواه، لا قبل انعقاده ولا بعده، كما ينصّ العُرف، بل أصدرت «حركة نداء تونس» في ساعة متأخرة بلاغاً اعتبرت فيه أنّ ما جرى هو لقاء شخصيّ جاء بطلب من الغنوشي، يأتي في سياق تعبير قائد السبسي عن «انفتاحه واستجابته لجميع أفراد الشعب التونسيّ من دون إقصاء».لم يذكر «نداء تونس» الجانب الترتيبيّ للمقابلة لأهميّته في حدّ ذاته، بل لدلالته السياسيّة، حيث جاء في البلاغ أيضاً تأكيد الرئيس أنّ «العلاقة الشخصيّة التي تربطه مع السيد راشد الغنوشي لا علاقة لها بالموقف الواضح من حركة النهضة» الذي هو، وفق النصّ نفسه، «إنهاء التوافق». ويعني ذلك تشبّث قائد السبسي بإعلانه إنهاء التحالف مع «النهضة» الذي أعلنه في حوار متلفز نهاية الشهر الماضي، وهو أمر جاء، بحسب ما عبّره عنه حينها، بطلب منها.
في واقع الأمر، لم تعبّر «النهضة» قطّ عن رغبتها في إنهاء «التوافق» الذي انطلق عقب انتخابات عام 2014، بل قدّر رئيس الجمهوريّة من تلقاء نفسه أن ذلك هو موقفها، بسبب دعمها لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي جمّدت «حركة نداء تونس» عضويّته مؤخراً وأحالته على «لجنة النظام»، بعد رفضه طلب قائد السبسي بأن يعرض نفسه مرّة أخرى على البرلمان لتجديد الثقة.
تعزيزاً لموقف الرئيس، قال أمس النائب منجي الحرباوي إنّ الرجل قابل راشد الغنوشي بصفته الرئيس الشرفيّ لـ«نداء تونس»، وليس بصفته رئيس الجمهوريّة. وأضاف الحرباوي: «كلّ مواقف نداء تونس هي نفسها مواقف رئيس الجمهوريّة ونتبناها في مجملها»، معتبراً أنّ «قائد السبسي كان ولا يزال وسيبقى له دور في حركة نداء تونس».
تبدو المهلة الممنوحة للشاهد حتى «يوضّح وضعه» مرتبطة بقانون الموازنة


من جهة ثانية، حاولت «حركة النهضة» تصوير اللقاء بشكل مختلف، أي باعتباره حلقة أخرى من مسلسل التنسيق المتواصل بين الزعيمين في إطار الحكم المشترك. مساء أول من أمس، أسرع الناطق الرسميّ باسم الحركة، عماد الخميري، للتصريح بأنّ الغنوشي أكد خلال اللقاء «حاجة تونس للتوافق» وتمسكه بـ«بنهج الحوار والتشاور مع رئيس الدولة».
ولم يصدر بلاغ إعلاميّ عن الحركة إلا أمس، وجاء فيه أنّ الغنوشي نقل لقائد السبسي «تحيات أعضاء المجلس (مجلس الشورى) وتقديرهم لمؤسسة الرئاسة ولشخصه الكريم وتمسكهم بنهج التواصل والتشاور معه لما فيه خير تونس». كما نقل البلاغ عن الرئيس تجديده «احترامه لكلّ مكونات الساحة السياسيّة ومنها حركة النهضة».
في الأثناء، وعلى رغم دعمها له، لم يصدر عن رئيس الحكومة أيّ تفاعل مع دعوة «النهضة» له لتقديم التزام بعدم الترشح للانتخابات الرئاسيّة المقبلة، بغاية التركيز على العمل الحكوميّ وتجنّب الصراعات السياسيّة. لكنّ يبدو أنّ الحركة بدورها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الصمت، إذ ليس من مصلحتها أن تخسر تحالفها مع «نداء تونس» ورئيس الجمهوريّة، من دون أن تربح شيئاً من دعمها ليوسف الشاهد، خصوصاً أنّ الأخير بدأ بالفعل في تشكيل مشروعه السياسيّ الخاصّ، من خلال تشكيل كتلة برلمانيّة جديدة موالية له، وجمع حزام داعم من رجال الأعمال وبعض السياسيّين.
تبدو اليوم المهلة الممنوحة للشاهد حتى «يوضّح وضعه»، بحسب العبارة التي استعملها أول من أمس «رئيس مجلس شورى حركة النهضة» عبد الكريم الهاروني، ترتبط بقانون الموازنة الذي تعمل الحكومة على صياغته. وفي حال لم يبيّن الرجل برنامجه وتطلعاته السياسيّة قبل الانتهاء من القانون وتمريره للبرلمان، فإنّه من الوارد أن تحسم «النهضة» موقفها في اتجاه استعادة «التوافق»، ما يعني آلياً التخلّص من الشاهد وتشكيل حكومة جديدة تشرف على الانتخابات المبرمجة نهاية العام المقبل.