تتخذ التغييرات الجذرية في المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي يجريها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بصفته وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة، طابعاً سياسياً، معززاً ببدء العد التنازلي لانتخابات الرئاسة، المزمع تنظيمها في نيسان/ أبريل المقبل، وسط تنامي دعاة العهدة الخامسة.التغييرات غير المسبوقة التي بدأت في حزيران/ يونيو الماضي، وشملت قادة نواحي وقائدي الشرطة والدرك الوطني ومدير أمن الجيش (أقوى جهاز مخابرات)، استكملت أمس، لتشمل قائدي القوات البرية والجوية، إلى جانب الأمين العام لوزارة الدفاع، وذلك بعد أيام من إصدار قرار بمنع سفر جنرالات سابقين أقيلوا قبل شهر، من بينهم قائد الناحية العسكرية الأولى اللواء لحبيب شنتوف، وقائد الناحية العسكرية الثانية اللواء سعيد باي، الذي تمكن من الفرار إلى فرنسا، على خلفية تهم بالفساد.
لم يصدر أي بيان رسمي بشأن هذه التغييرات، لكن المعلوم أن الرئاسة ووزارة الدفاع الجزائرية لم يسبق أن نشرا معلومات عن إقالة أو تعيين مسؤولين جدد في الجيش، باستثناء إشراف قائد الأركان الفريق قايد صالح، على تنصيب المسؤولين الجدد، وهو ما حدث أمس. ووفق ما نقلت فضائية «النهار»، المقربة من الرئاسة، عن مصادر وصفتها بالمطلعة، أنهى الرئيس مهمات قائد القوات البرية اللواء حسن طافر، وأحاله على التقاعد، وعيّن مكانه اللواء سعيد شنقريحة، وهو قائد المنطقة العسكرية الثالثة. كذلك عين اللواء مصطفى سماعيلي، نائب قائد الناحية العسكرية الثانية (شمال غرب) قائداً جديداً للناحية العسكرية الثالثة مكان شنقريحة. كذلك، أنهى مهمات قائد القوات الجوية اللواء عبد القادر الوناس، وأحاله على التقاعد، وعين اللواء بومعزة محمد مكانه. أيضاً، شملت القرارات إعفاء الأمين العام لوزارة الدفاع، محمد زناخري من مهماته، وتعيين اللواء حميد غريس مكانه.
وضعت «الدفاع» التغييرات في إطار تكريس «مبدأ التداول» في الوظائف العليا


الإقالات، التي تُعَدّ الأكبر في تاريخ البلاد، أطاحت حتى الآن أكثر من 10 من كبار قادة الجيش وجنرالاته. واختلفت القراءات حول الأسباب، إذ وضعها مراقبون في إطار رغبة الجيش في توحيد رؤيته قبل 6 أشهر من الاستحقاق الانتخابي، و«ضبط إيقاعه» على موجة محددة منعاً للانقسام، على اعتبار أن المبعدين أظهروا مواقف معارضة لترشح بوتفليقة، بينما سلط آخرون الضوء على قائد أركان الجيش ونائب وزير الدفاع، صالح، كإحدى الشخصيات المحورية في التغييرات الجذرية، على أساس أنه يسعى إلى التخلص من خصومه في المؤسسة العسكرية، فيما أكد آخرون أن الفساد هو خلفية القرارات. وتحدثت وسائل إعلام محلية، توصف بأنها مقربة من دوائر القرار، عن أن القيادات العسكرية المقالة مشتبه فيها بقضايا فساد، وتكوين ثروات طائلة بسبب المناصب الرفيعة التي كانوا يشغلونها.
وفي ضوء هذه التنبؤات، يدور النقاش حول دور المؤسسة العسكرية، مع دخول الولاية الرابعة لبوتفليقة، عامها الأخير، رغم إصرار الجيش على أنه غير معني تماماً بالسياسة، ويركز على مهماته الدستورية فقط. إذ وضعت وزارة الدفاع، أمس، قرارات الرئيس في إطار تكريس «مبدأ التداول» في الوظائف العليا للجيش، رداً على محاولات ربط التغييرات بالمشهد السياسي، وهي تساؤلات تفرضها أحياناً طبيعة النظام السياسي، والسوابق التاريخية في البلاد مع اقتراب كل موعد انتخابي.
وبينما تتزاحم التأويلات حول أسباب التغييرات وعلاقتها بالانتخابات الرئاسية، يبقى ترشح بوتفليقة لولاية خامسة محل شك، لكون الأخير أو محيطه لم يظهروا مؤشرات حتى الآن حول نيته مغادرة الحكم، فيما لم يتحدث رسمياً عن قراره سواء بالاستمرار والترشح أو الاكتفاء وتقديم الحزب الحاكم مرشحاً بديلاً من الدائرة المقربة. يأتي ذلك وسط دعوات من أنصار بوتفليقة، في أحزاب ومنظمات موالية، للترشح لولاية جديدة، ودعوات من معارضين إلى مغادرة الحكم بسبب وضعه الصحي الصعب منذ 2013 بعد تعرضه لجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه، ليحتدم الصراع في أعلى هرم الدولة حول مسألة استمرار الرجل في الحكم لعهدة رابعة، عشية انتخابات الرئاسة التي جرت في نيسان/ أبريل 2014.
وهذا العام عاد الجدل حول ترشحه بعد عودته من رحلة علاجية استمرت 6 أيام في جنيف بداية الشهر الجاري، ما فتح الباب للتساؤلات من جديد عن وضعه الصحي، وهو ما يرفضه حراك الموالاة الداعي إلى استمراريته في الرئاسة، تارة بتأكيد ترشحه، وتارة بالدعوة إلى تعديل الدستور بما يسمح له بالتمديد واستحداث منصب نائب رئيس. في المقابل، تهدد القوى السياسية الرافضة، بالخروج إلى الشارع في حال إعلان الرئيس ترشحه.