لم ينزع اتفاق وقف إطلاق النار بين ميليشيا «اللواء السابع» وميليشيات طرابلس (برعاية أممية الثلاثاء قبل الماضي) الرغبة في إنهاء الحرب لدى أطراف القتال. فمن جهة، لم تسحب الميليشيات الطرابلسية الأسلحة الثقيلة من مؤسسات الدولة والمناطق السكنية، فيما لم يتراجع «اللواء السابع» عن المواقع التي سيطر عليها خلال المعارك.وضمن سياق خلق حاضنة شعبية للأخير تتجاوز الحاضنة التقليدية داخل العاصمة نحو قبائل ومناطق أوسع، انتهى اجتماع ترهونة، أول من أمس، ببيان شديد اللهجة يتضمن 12 مطلباً، أهمها «استصدار قرار نزع الشرعية، وحل الميليشيات المسلحة المسيطرة حالياً على العاصمة طرابلس في غضون ثلاثة أيام». الاجتماع حضرته قبائل من مختلف مناطق البلاد، الشرق والوسط والجنوب، وممثلون عن مدن محيطة بطرابلس، من بينهم مشرفون على ميليشيات، وتضمن بيانه بنوداً أخرى من بينها رفض «أي ترتيبات أمنية من شأنها المماطلة أو الإبقاء على الميليشيات أو إعادة تدويرها»، وتأمين طرابلس عبر «تشكيل قوة مشتركة من المدن كافة، قوامها الجيش والشرطة النظاميان»، وتأكيد الدعم لـ«اللواء السابع والقوات التي تحركت لتطهير العاصمة من الميليشيات».
ورغم أن القبليّة ليست عنصراً حاسماً في البلاد، على النحو الذي تُصوّر عليه في أحيان كثيرة، فإنها معطى من ضمن معطيات أخرى كالجهوية والولاءات الأيديولوجية والإثنية، ويمكن أن يكون لها تأثير في هذه الحالة، خاصة أن «اللواء السابع» يحظى بدعم واسع من القبائل في ترهونة، كما أن المجلس البلدي للمدينة هو من وقّع على اتفاق وقف النار نيابة عن الميليشيا.
يحظى «اللواء السابع» بدعم واسع من القبائل في ترهونة


على المقلب الآخر، وجد «المجلس الرئاسي» نفسه منذ البداية في موقف صعب، فهو لا يستطيع حل الميليشيات الطرابلسية إذا ما أراد ذلك، نظراً إلى قوتها ولغياب تشكيلات عسكرية أخرى تحميه، وثانياً بسبب العواقب غير المضمونة لتسليم أمره للقوات المهاجمة للعاصمة. من هنا، حاول رئيس المجلس، فائز السراج، اتخاذ موقف وسط، فلم يدعم ميليشيات طرابلس بوضوح، ورأى في الوقت نفسه «اللواء السابع» خارجاً عن القانون ومنحلاً، محمّلاً إياه مسؤولية ما حدث.
إذاً، وجّه «الرئاسي» سهامه في اتجاه قوات ترهونة والمجموعات المساندة لها، أهمها «لواء الصمود» المنحدر من مصراتة، ويقوده صلاح بادي، أحد قادة عملية «فجر ليبيا»، وكان على وعي بأهمية العمل على ألا يتشكل رأي عام مساند لها. وقبل نحو أسبوعين، أرسلت حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة السراج تعميماً إلى جميع البعثات الديبلوماسية في الخارج يخبرها بورود معلومات حول نية بعض الليبيين التظاهر أو الاعتصام أمام مقارها، مساندة للقوات المهاجمة للعاصمة، وطالبها بإعداد قوائم بأسمائهم. لم يقف ردّ السراج وحكومته عند ذلك، إذ عقد أمس «حواراً مباشراً مع عمداء بلديات المنطقة الغربية» عن الأزمة الراهنة وتداعياتها، بُثّ على التلفزيون الرسمي. وخلال حديثه، بدا رئيس «المجلس الرئاسي» لحكومة «الوفاق» متشنّجاً وحازماً على غير عادته، ووجّه رسائل إلى ترهونة، ولكن أيضاً إلى المشير خليفة حفتر، رداً على ما قاله الأخير في لقاء مع وُجهاء من شرق البلاد الخميس الماضي، حول امتلاكه خططاً لدخول طرابلس «في الوقت المناسب».
وقال السراج: «يا جماعة، هل نعيد كل مرة الدخول في حرب واشتباكات، ونتوقع أن الأمر سيمر بسلام! من يتحمل مسؤولية الأبرياء، الأسر والأطفال الذين سقطت عليهم قذائف؟»، مضيفاً بخصوص الحشد لعودة المعارك: «يوجد إصرار من بعض الأطراف على استمرار الأزمة، وعدم وقف إطلاق النار وخرقها وإدخال أطراف أخرى وتأزيم الموقف سياسياً وأمنياً وحتى إنسانياً». وفي ما يشبه الإشارة إلى مخططات حفتر، قال السراج إن «القصة أكبر من معركة بين ميليشيات. الموضوع أكبر من هذا. توجد أطراف أخرى تؤجج وتستعمل أطراف على الأرض لتحقيق مصالح سياسية»، مضيفاً: «حاولوا بكل الطرق مع الوفاق لإسقاطها، إعلامياً وأمنياً، ومن خلال افتعال أزمات، لم يبقَ غير إدخال العاصمة في حرب، هذه هي النقطة التي يشتغلون عليها، ونحن لن نسمح بذلك».
إلى جانب هذا الحوار، أصدر السراج، بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي، أمس، قراراً بتشكيل «القوة المشتركة لفض النزاع وبسط الأمن»، للإشراف على تنفيذ اتفاق وقف النار. ويرأس القوة الجديدة أسامة الجويلي (من مدينة الزنتان)، وتتشكل من كتيبة تتبع المنطقة العسكرية الغربية، التي يشرف عليها، إضافة إلى كتيبة من المنطقة العسكرية الوسطى (يرأسها اللواء محمد الحداد من مصراتة)، وكتيبة من قوة مكافحة الإرهاب (تتمركز في مصراتة، وهي جزء من قوات «البنيان المرصوص» التي حاربت «داعش» في سرت قبل ثلاثة أعوام.