في خروج أقرب إلى الاستعراض، هدّد المشير الليبي خليفة حفتر جارته الجزائر بالحرب، وذلك بسبب ما قال إنه دخول قواتها إلى الأراضي الليبية «بطريقة غير شرعية»، مدعياً خلال حديث إلى جمع من مؤيديه كما أظهره مقطع فيديو انتشر في اليومين الماضيين، أنه أبلغ السلطات الجزائرية بقدرته على «نقل الحرب في لحظات» إلى حدودها. وزاد على الرواية التي ذكرها من طرف واحد أن الأخيرة اعتذرت، وأخبرته أن دخول هذه القوات «عمل فردي» سينتهي في غضون أسبوع.لم تظهر تفاصيل مهمة في فيديو حفتر، أهمها توقيت دخول القوات الجزائرية وأسباب التوغل وأهدافه، والجهة التي اتصل بها وأبلغته الاعتذار. غموضٌ زاد الشكوك حول أقواله، وخاصة أن الجزائر تتعامل مع حكومة فائز السراج على أنها السلطة الشرعية في ليبيا، ما يجعل أمر الاعتذار من الرجل محل شك، فيما لم يجرِ تأكيد حديث حفتر من جهة جزائرية أو ليبية أخرى ذات صدقية.
في الواقع، لم تكن علاقة «الجنرال» بالجزائر يطبعها الود دائماً، وذلك بسبب اختلاف النظرة في معالجة الأزمة الليبية. فالجزائر كانت من أكبر المتحفظين على التدخل العسكري الأجنبي ضد نظام معمر القذافي، بينما كان حفتر من عرّابي الضربات العسكرية الفرنسية والإيطالية والبريطانية التي منعت قوات القذافي من التقدم شرقاً نحو طبرق، ثم صار حفتر القائد العسكري الأوحد وحامل لواء «تحرير ليبيا» من الإرهاب، كما روّج لنفسه. في الوقت نفسه، لم ترق العلاقة بين الجزائر وحكومة طرابلس في السابق حفتر الذي يُبدي عداءً شديداً للإسلاميين.
لذلك، تحمل هذه التصريحات في طياتها رائحة تصفية حسابات، وخاصة أنه لم ينجح في استقطاب الجارة الغربية كحليف في صفه. فالرجل يدرك تماماً أنه غير قادر على الدخول في مواجهة عسكرية مع بلد مثل الجزائر، فهو بالكاد يسيطر على الجهة الشرقية من ليبيا، ولم ينجح حتى في التوغل نحو المناطق الوسطى، فكيف له الدخول في حرب بعيدة عن مواقعه في أقصى الغرب.
أيضاً، تتناقض تصريحاته حول دخول قوات عسكرية إلى حدود ليبيا مع عقيدة الجيش الجزائري المبنية على تجنب التدخل في شؤون بلدان أخرى، أو تنفيذ عمليات خارج الحدود، منذ استقلال البلاد عام 1962، ولم يخرقها إلا في حالة نادرة أملاها الواجب القومي، على غرار الحروب العربية مع إسرائيل عامي 67 و73. عدا ذلك، رفض الجيش الجزائري إقحام جنوده في حروب قريبة على حدوده مثل التدخل في مالي، وقبله في ليبيا.
ويظهر أن حفتر يحاول إحراج الجزائر دولياً بإظهار أنها تناقض ما تقول، بينما تدعو في العلن إلى الحل السياسي، ولا سيما أن الدبلوماسية الجزائرية ظلت ترفض التدخل العسكري حتى عندما كان تنظيم «داعش» يسيطر على مناطق في البلاد. في المقابل، كانت الأطراف الداعمة لحفتر، على غرار الإمارات ومصر وفرنسا، تراوح بين الدعوة إلى الحل السياسي، وإظهار الدعم الصريح للتدخل العسكري.
وفي ردود الأفعال، طالب رئيس حركة «مجتمع السلم» (إخوان مسلمون)، عبد الرزاق مقري، سلطات بلاده بـ«إعلان الإجراءات... التي ستتخذها للرد على هذه الإهانة». وقال مقري في منشور على «فايسبوك»، إن «العسكري حفتر المسنود مصرياً وإماراتياً لم يجد أي حرج في توجيه تهديده إلى الجزائر... (هذه) جرأة غير مسبوقة من هذا الانقلابي الليبي الذي سلم بلاده لقوى أجنبية مجرمة. جُرأة، لا يمكن للجزائريين أن يتحملوها وأن يقبلوها».
لكنّ الدبلوماسي الجزائري السابق، حليم بن عطا الله، يختلف في النظرة مع مقري، ويرى أن من الأولى للسلطات الجزائرية تجنب الرد والدخول في سجال مع حفتر. يقول عطا الله لـ«الأخبار»، إن «الدبلوماسية الجزائرية تعوّدت الرد فقط على السلطات الرسمية المعترف بها، وبما أن حفتر يمثل تنظيماً خاصاً، فالأولى ألا تُقيم له وزناً».