الجزائر | قبل نحو أسبوع، في محافظة ورقلة الواقعة على بعد 700 كلم جنوبي شرق العاصمة الجزائر، أبطلت مجموعة من المتظاهرين حفلاً فنياً لـ«كادير الجابوني» أحد أشهر مطربي أغنية الراي الجزائرية، بحجة أن محافظتهم التي يعاني سكانها بطالة خانقة وتدنياً كبيراً في الخدمات والبنى التحتية، تحتاج إلى صرف أموالها في ما يخفف عن السكان معاناتهم اليومية، لا على ترف الحفلات الفنية. هذا المنطق، راق مواطنين في محافظات أخرى، حاولوا تعطيل مهرجانات وحفلات فنية، على غرار محافظة سيدي بلعباس التي ينظم فيها سنوياً مهرجان الراي ومستغانم غربي البلاد.وعلى الرغم من محدودية عدد المتظاهرين الرافضين لإقامة الحفلات الفنية، إلا أن تكرار هذا الحادث وامتداده إلى محافظات عدة، جعله بمثابة الظاهرة، فاشتعل جدال أيديولوجي وسياسي على إثره بين محذّر من إعادة إحياء أفكار معادية للفن والثقافة في المجتمع، ومهوِّن من ذلك، باعتبار ما يجري غضباً ظرفياً بسبب تدهور مستوى المعيشة، فيما أثنى بعض رموز التيار المحافظ على عمل هؤلاء الشباب، باعتبارهم منعوا إقامة حفلات فاسدة على حدّ تعبيرهم.
وجاءت أقوى الردود من الوزير الأول والأمين العام لثاني أكبر حزب في الموالاة، أحمد أويحيى، إذ وصف ما جرى بعمليات الفوضى والشغب التي يعاقب عليها القانون. وأوضح أن منع حفلات غنائية يهدد أصحابه بالسجن، إلا أن الدولة كانت رحيمة ولم تلجأ إلى هذا النوع من الردع. ويحتفظ أويحيى في قضايا الاحتجاجات بموقف صارم، إذ يؤكد في كل مرة أنه ينبغي اللجوء إلى الأساليب القانونية والابتعاد عن الفوضى.
تكرار الحادث وامتداده إلى محافظات عدة، جعلاه بمثابة الظاهرة


من جانبها، نددت زعيمة حزب العمال لويزة حنون، بشدة بمنع إقامة حفلات غنائية. وذهبت بعيداً في تحليلها، حين قالت إن ذلك يشير إلى «تصاعد الظلامية» في الجزائر، ويعيد إلى الأذهان بدايات سنوات التسعينيات، حيث كان بعض أنصار التيار الإسلامي المتشدد يمنع إقامة الحفلات، بحجة أنها مخالفة للدين.
وانتقدت المرشحة الرئاسية السابقة تهاون وزارة الثقافة في التنديد بظاهرة منع إقامة المهرجانات الفنية، ورأت أنّ موقفها ضعيف ومتأخر، في وقت ينبغي فيه التنديد بشدة بهذه السلوكات. لكن حنون التي تتبنى خطاباً اشتراكياً يدافع عن ضرورة توفير الدولة للخدمات العامة، أوضحت أنها لا تقف ضد احتجاجات المواطنين على ظروفهم الاجتماعية، قائلة إنها تحتج فقط على من يستغلّ حالة الضيق العامة في البلاد من سياسات الحكومة التقشفية ليحارب الفن والثقافة في البلاد.
عكس هذا الخطاب، قلّلت أحزاب التيار الإسلامي مما اعتبرته تهويل التيار العلماني في الجزائر لمنع حفلات فنية. وأبرز رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، في تصريحاته الصحفية، أن ما يريده الشباب الغاضب هو الالتفات إلى قضاياهم الرئيسية في الشغل والصحة والتعليم والمرافق العامة. ورأى أن هؤلاء عبّروا بعفوية عن مطالبهم من دون أن تكون لهم انتماءات معيّنة لتيارات دينية. أما زعيم جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، فقد دافع عن حق المواطنين في رفض كل ما يفسد دينهم على حدّ قوله، في تجمع أخير لحزبه.
وليست المرة الأولى في الجزائر التي يشتعل فيها جدال أيديولوجي بين أنصار التيار الإسلامي والتيار العلماني أو الحداثي، حيث يتمحور الصراع في الغالب على مواضيع البرامج الدراسية وهوية المجتمع وحرية الإبداع والكتابة من دون قيود. ويُعَدّ قطاع التعليم إحدى أبرز ساحات الصراع، حيث يدافع العلمانيون بشدة عن الإصلاحات التي تقوم بها وزيرة التربية والتعليم نورية بن غبريط، باعتبارها ترمي إلى «تحديث» المدرسة الجزائرية، فيما يواجهها الإسلاميون والعروبيون بقوة ويتهمونها بمحاولة تغريب المدرسة وسلخها عن الجذور الإسلامية. كذلك تثير كتابات أو روايات من حين لآخر، الجدل نفسه، وكان آخرها رواية «ميرسو تحقيق مضاد» للكاتب كمال داود الذي أصدر فيه أحد قادة التيار السلفي في الجزائر فتوى بتكفيره، بسبب احتواء هذه الرواية على مقاطع مسيئة إلى الدين على حد وصفه. وقد أصدرت العدالة الجزائرية حكماً لمصلحة كمال داود بعد رفعه لدعوى قضائية ضد الداعية السلفي.