تفاقم في الأسابيع الماضية الصراع بين إيطاليا وفرنسا حول التأثير في ليبيا، وهو أمر انعكس في الزيارات رفيعة المستوى، فبينما زار وزير الخارجيّة الفرنسي جان إيف لودريان البلاد قبل أسبوعين، زارها أيضاً في الشهر الماضي ثلاثة وزراء إيطاليّين. وصار الصراع بين البلدين يتلّخص الآن في التجادل حول موعد الانتخابات، ففي حين أقرّت قمة «باريس 2»، التي جمعت أغلب الفرقاء الليبيّين نهاية شهر أيار، إجراء انتخابات في كانون الأول من هذا العام، تعارض إيطاليا ذلك الموعد وترى أنّ الظروف غير ملائمة بعد. يوم الجمعة الماضي، خرج جوزيبي بيروني، السفير الإيطالي لدى ليبيا، في حوار متلفز على قناة «ليبيا روحها الوطن»، وعبّر عن موقف بلاده الدافع تجاه تأجيل موعد الانتخابات. لكنّ نبرة كلام السفير الذي يحذق العربيّة بدت مستفزة، حيث استخدم عبارات جازمة، وخوّل لنفسه التحدّث باسم الشعب الليبيّ الذي اعتبره «غير مهتم بذلك (الانتخابات)» قدر اهتمامه بتحسين ظروف العيش، وعندما قاطعه مقدم البرنامج متسائلاً عن مصدر ثقته في رأي الليبيّين، أجابه بيروني، «أنا موجود في ليبيا وطرابلس، ولا أعرف أين أنت».
كلام السفير الإيطاليّ ليس بعيداً في جزء منه من الواقع، فبينما تبثّ القناة التي حاورته وعدد آخر من القنوات، من خارج البلاد، يؤدي هو جولات يوميّة في مناطق مختلفة من ليبيا، وهو السفير الأجنبيّ الوحيد المتبقي في العاصمة، ولا يعكس ذلك سوى مدى نفوذ إيطاليا في بلد تحصل فيه الاختطافات والاغتيالات بشكل يوميّ.
لكنّ جزءاً من كلام بيروني بعيد من الواقع أيضاً، فهو يقفز عن وجود مجالس بلديّة منتخبة في عدد كبير من المدن، وهي بصدّد التجدّد، وأنّ عدد الناخبين ارتفع في شكل كبير في آخر تسجيل نهاية العام الماضي، وهو مرجّح للارتفاع أكثر في حال فتح باب التسجيل هذا العام، ويعكس ذلك رغبة المواطنين في تثبيت هياكل تمثيليّة منتخبة.

تظاهرات وتنديد
شهدت طرابلس وضواحيها خروج تظاهرات منددة بتصريحات السفير الإيطاليّ وتدخّل بلاده في ليبيا منذ يوم السبت واستمرت حتى يوم أمس، وهي مرجّحة للاستمرار والتصاعد. ورفع المتظاهرون، الذين لا يزال عددهم محصوراً في بضع مئات، شعارات تدلّل على حساسيّتهم من المستعمر السابق من قبيل «أيها السفيه الإيطاليّ ليبيا ليست الحديقة الخلفيّة لإيطاليا»، و«بلد الأحرار لن يكون مرتعاً للطليان»، إضافة إلى حرقهم العلم الإيطاليّ ورفعهم صور شخصيّات وطنيّة مثل عمر المختار. لكنّ التنديد لم يقف عند المتظاهرين، بل شمل أيضاً وسائل إعلام وتشكيلات سياسيّة ونواباً برلمانيّين وحكومة شرق البلاد غير المعترف بها دوليّاً، بينما لم تعبّر الأحزاب السياسيّة الكبيرة والجهات الرسميّة المتركزة في غرب البلاد عن موقف من التصريحات أو التظاهرات.
من جهة، شمل عدد كبير من وسائل الإعلام الليبيّة أمس مقالات رأي حادّة مندّدة من كلام بيروني ومواقف إيطاليا، أما من الناحية السياسيّة فقد استنكر «حراك شباب العاصمة» تصريحات بيروني واعتبرها «مستفزة... ومخالفة لاتفاقيّة فيينا المنظمة للعلاقات الدبلوماسيّة» وطالبه بالاعتذار عنها، واعتبر «الصمت عن هذا الانتهاك موافقة ضمنيّة عليه»، كما توجّه لـ«كافة الدول بكفّ يدها عن ليبيا».
تفاقم أخيراً الصراع بين إيطاليا وفرنسا حول التأثير في ليبيا


أما «مجموعة أبناء ليبيا» فأصدرت بياناً قالت فيه إنّ «إيطاليا عملت على إنهاء الاتفاق السياسيّ وتفريغه من محتواه»، واعتبرت أنّ دعم إيطاليا وبريطانيا ودول أخرى لحكومة الوفاق «غير الشرعيّة» يدلّ على عمالة الأخيرة لها. وبارك «تحالف القوى الوطنيّة» في بيان له عودة الحراك السلميّ للشارع، وعبّر في بيان له عن أمله في تصاعده، كما اعتبر أنّ «غياب الشارع جعل دولاً أجنبيّة تتدخّل وتقّرر (نيابة) عن الليبيّين متى وكيف وعلى أيّ أساس ينتخبون».
لم تتأخر حكومة عبد الله الثنيّ المتركزة في شرق البلاد والمدعومة من البرلمان وخليفة حفتر عن التفاعل، حيث أصدرت أمس بياناً عن طريق «وزارة الخارجيّة والتعاون الدوليّ» دانت فيه «بأشد العبارات التدخّل السافر وغير المسؤول لسفير إيطاليا لدى ليبيا في الشؤون الليبيّة من دون مراعاة لأبسط قواعد وأعراف العلاقات الدبلوماسيّة بين الدول». وأضاف بيان الوزارة، «لقد تناسى السفير بكلّ تطاول أن ليبيا دولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة وليست بلداً تحت الوصاية، ولن نقبل سواء من إيطاليا أو غيرها التدخّل في شؤونها الداخليّة».
جاءت التنديدات أيضاً من نواب البرلمان المتركز في مدينة طبرق شرق البلاد، حيث اعتبر النائب إبراهيم الدرسي أنّ «الأطماع الإيطاليّة الاستعماريّة عادت مجدداً» وأنّ «إيطاليا تعتبر ليبيا من حصتها في منطقة المتوسّط». أما النائب علي السعدي، فقد رأى أنّ تصريحات السفير الإيطاليّ تدلّ على «رغبة في استعادة الماضي الاستعماريّ... خصوصاً في ظلّ وجود جنود إيطاليّين في طرابلس ومصراتة بدعم من المجلس الرئاسيّ».