اتفقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبيّ على بدء مفاوضات مع المغرب بشأن اتفاقية جديدة للصيد البحري يمكن أن تشمل الصحراء الغربية في ظلّ «شروط معيّنة». هل يتلاءم هذا القرار مع الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية في 27 شباط/فبراير الماضي، الذي قضى باستثناء المياه المتاخمة لأراضي الصحراء الغربية من منطقة الصيد البحريّ المغربيّة المشمولة في الاتفاق؟في رأينا، يتعارض هذا القرار مع اثنين من الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبيّة عامي 2016 و2018، اللذين وضعا مبادئ قوية تستثني الصحراء الغربية من نطاق تنفيذ أي اتفاق شراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، سواء بالنسبة إلى المنتجات الزراعية أو الصيد البحريّ. هذا هو المبدأ المسيّر لأي نشاط أوروبيّ على الإقليم المتنازع عليه. وفي مواجهة فعالية الإجراءات القانونية التي اتخذناها، نجحت فرنسا في أن تفرض على مجلس الاتحاد الأوروبي تغيير المسار، أملاً منها في كسب الوقت قبل انتخابات العام المقبل. نلاحظ اليوم أنّ فرنسا تواجه صعوبة في حشد حلفائها في وقت باتت تعتبر فيه بعض الدول الأوروبية أن هذا العناد بات غير منطقي، وأنه يجب تطبيق قرارات القضاء. الإصرار على الالتفاف على الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الأوروبية يدفع حتى المغرب نحو الخطأ، فمن خلال الاعتراف بإمكانية شمول هذا الاتفاق الجديد إقليم الصحراء، فإننا نقرّ بأن الصحراء الغربية ليست جزءاً من المغرب.

رغم أنّ القانون الدوليّ والقانون الأوروبيّ لا يعترفان بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، تستمر المفوضية الأوروبية في القول إنّ الرباط تمثّل «سلطة أمر واقع إداريّة» على الصحراء الغربية، وذلك لإدراج هذا الإقليم ضمن نطاق تطبيق الاتفاقات المبرمة مع المغرب. هل لهذه الحجة أي قيمة قانونية؟ وهل تعطي المغرب الحق في استغلال موارد الصحراء الغربية من دون موافقة جبهة البوليساريو؟
كلا، لا يوجد ذلك في حالة الدول والشركات التابعة للفضاء الأوروبيّ، حيث يوضح الحكم الصادر عام 2016 أنّ المسألة ليست مرتبطة بكون النشاط الاقتصاديّ مربحاً أو لا للشعب الصحراويّ، بل بموافقة ممثلي الشعب الصحراويّ. يقضي هذا الحكم على أي التباس من خلال استبدال تعبير «لصالح» بتعبير «موافقة».
سوف نطعن في القرارات الأوروبية عندما تتعارض مع حق الشعب الصحراويّ


يجب أن نعرف أنّه بعد صدور هذا القرار، حصلت فرنسا على موافقة بالإجماع على الاستئناف، لكن فقط خمس دول أوروبية دعمت الاستئناف أمام المحكمة خلال جلسة الاستماع في تموز/يوليو 2016، ورفضت جميع الدول الأخرى بما في ذلك المملكة المتحدة وإيطاليا، المشاركة في هذا الإجراء. أما ألمانيا، الحليف الأكثر أهمية لباريس، فقد قدمت الطعن، إلا أنها رفضت تقديم مذكرة مختصرة في المحكمة، بعدما تبين لها أنّ هذا الموقف غير سليم من الناحية القانونية. كما قدمت بلجيكا من جهتها ملخصاً محايداً للغاية... ولم تحضر لدعمه خلال جلسة الاستماع!
أما الحكومة الإسبانية، فقد واجهناها بتناقضاتها عندما طلبنا منها أن توضح موقفها، خاصة أنّها تطبق حكماً أصدرته المحكمة الوطنية (محكمة النقض الإسبانيّة) التي حكمت بأن إسبانيا ما زالت «السلطة الإداريّة» في إقليم الصحراء الغربية، ولا يمكنها تحييد نفسها عن التفويض الممنوح من قبل الأمم المتحدة. ومع ذلك، كانت الإجابة التي تلقيناها: «نحن هيكل سياسيّ، ولا نعلق على المسائل القانونيّة». عند مواجهتهم بالواقع القانونيّ، ليس لديهم ما يقولونه. يدرك أيّ مراقب مهتم بالملف أنّ الرغبة في الإبقاء على هذا التوجه داخل الاتحاد الأوروبي تأتي أساساً من فرنسا التي تمثل العامل الرئيسيّ لانعدام الاستقرار في هذه المنطقة من أفريقيا.

لكن تحظى «جبهة البوليساريو» باعتراف قانونيّ بوصفها الممثّل الشرعيّ الوحيد للشعب الصحراويّ؟
في ما يتعلق بهذا السؤال، لا يوجد أي حكم قضائيّ يؤكد صراحة أنّ الجبهة هي الممثل الوحيد للشعب الصحراويّ، إلا أنّ المسألة ليست موضع تشكيك. فمحكمة العدل الأوروبيّة لم تضطر إلى إعلان موقفها من هذه القضية بسبب حجتها القانونية. بالنسبة إليها، لا يمكن تطبيق الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبيّ والمغرب إلا في المغرب، وبما أن هذه المنطقة «متمايزة ومنفصلة» عن الصحراء الغربية، فإن «جبهة البوليساريو» غير معنية بهذه الاتفاقات. وتجدر الإشارة إلى أنّ محكمة العدل الأوروبيّة قد رأت في قرارها الصادر عام 2015 أنّ تنفيذ الاتفاق في الإقليم كان أمراً واقعاً، واعترفت بطعن «جبهة البوليساريو» فيه أمام المحكمة. وقد بين المحامي العام ملكيو واثليت، أن «جبهة البوليساريو» هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي. نحن الآن في انتظار أول فرصة للحصول على اعتراف قانونيّ من قبل محكمة العدل الأوروبيّة.
ولكن يوجد العديد من العوامل الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار، حيث اعتبر القرار 34/37 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1979 أنّ الجبهة هي الممثل الشرعيّ لشعب الصحراء الغربية. حتى إنّ المغرب نفسه وقّع على اتفاق وقف لإطلاق النار مع «جبهة البوليساريو»، وهو اتفاق دولي أدى إلى قيام مجلس الأمن بإنشاء «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية»، وبذلك اعترف بالجبهة كممثل للشعب الصحراويّ، ومن جهتها احترمت الجبهة الاتفاق. كذلك صادقت «جبهة البوليساريو» على اتفاقات جنيف عام 2015 بصفتها هيئة ذات سيادة، ولم يحتجّ حينها سوى المغرب.
أخيراً، ما هو البديل؟ على الرغم من انقسام الاقليم إلى قسمين، وانفصال العائلات، وعنف القمع الممارس، وسياسة «مغرَبة» الصحراء الغربية منذ 40 عاماً، يعترف الجميع بشرعية «جبهة البوليساريو»، ولا وجود لمنظمة أخرى معارضة. كذلك، يعمل السيد هورست كولر، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، مع «جبهة البوليساريو» تماماً كعمله مع المغرب.

ماذا ستكون تبعات قرار المفوضية الأوروبية هذا على «جبهة البوليساريو»؟ هل تملك الجبهة الوسائل القانونية لمنع تغيير المسار؟
سوف نطعن وبشكل منهجي في جميع القرارات الأوروبية عندما تتعارض مع حق الشعب الصحراويّ، وفي كل مرة سنحصل على أحكام بأن هذه الاتفاقات الموقّعة مع المغرب لا تنطبق على إقليم الصحراء الغربية، انطلاقاً من الأسس التي وضعتها المحكمة عام 2016. تصميمنا مطلق، نحن في معسكر المنتصرين، ونرى أن المهزومين يقودون حملة غير محدودة لمحاولة تأجيل المواعيد النهائية. في الأساس، ليس لديهم ما يقدمونه، لأننا نتحرك وفق أسس حقّ إنهاء الاستعمار.
لا يتعلق الملف بصادرات الطماطم أو حقوق الصيد البحريّ، نحن نستخدم سلاح الحقّ الاقتصادي بسبب فعاليته في القانون الأوروبيّ ومن أجل تحطيم هذا النشاط الاقتصاديّ الأوروبيّ الذي ما هو إلا وسيلة لتمويل الاستعمار. الهدف هو استفتاء تقرير المصير وإطلاق سراح السجناء. الصحراء الغربية منطقة نزاع يوجد فيها سجناء سياسيون، وهي جدار دفاعي مغربي يبلغ طوله 2700 كيلومتر، وأكبر حقل ألغام مضاد للأفراد، كما توجد عائلات منفصلة منذ أربعين عاماً. ما الجواب الذي نتلقاه على ذلك؟ الجواب مثير للسخرية بقدر ما هو خطير: تحاول كل من فرنسا والمغرب المناورة لفرض المجلس الملكيّ الاستشاريّ للشؤون الصحراوية كمحاور مع أوروبا، في حين أن هذه الهيئة تم إنشاؤها بموجب القانون المغربيّ للدفاع عن مغربية الصحراء. يجب أن نقولها بوضوح: يتحرك الشعب الصحراويّ أمام المحاكم دفاعاً عن القانون الدوليّ، ونواجه فقط القوة العسكرية والاقتصادية. ندعو فرنسا ومؤيديها إلى التوقف عن اللعب بالنار في منطقة حرب.