الأمر ليس بهذه البساطة
في تموز 2006، كنت في الأرجنتين عندما رأيت صور الدمار في بيروت. في تلك الفترة، غطيت تظاهرة أمام السفارة الإسرائيلية، حيث اعتُقل أحد المتظاهرين بتهمة «معاداة السامية». كنت مجبرة على كتابة عريضة تقول إن الشاب المعتقل لم يوجه أي كلمة معادية للسامية، إنما تكلم عن الصهاينة فقط. كانت تلك هي المرة الأولى التي أجبرت فيها على البوح بانتمائي الديني، إذ إن العريضة المكتوبة «بحبر يهودي» سوف تقوي حجّة المعتقَل.

في ذلك الوقت أيضاً، نشر الشاعر والطبيب بيدرو كلينغر على الإنترنت قصيدة وجهها إلى طفل مات تحت القصف في ضاحية بيروت الجنوبية. بيدرو أرجنتيني ــ يهودي، من أصول ألمانية (أمه هربت من النازيين إلى الأرجنتين) وهو كاتب ملتزم ضد السياسة الصهيونيّة. في السابق كان قد وجه نصين إلى الجالية اليهودية في «بيونس آيرس» ودعاها إلى التنديد بجرائم «جيش الدفاع الإسرائيلي». بعد عودتي إلى برلين، وجدت أن صديقي وجاري، كريزتوف كوزمان (ربما يكون يهودياً أيضاً) قد دلَّى علم لبنان من شرفته، الأمر الذي سبب لنا بعض المتاعب مع جيران آخرين، «تفلسفوا»، وشرحوا لنا أن الأمر «ليس بهذه البساطة».
أدلين روزنشتاين (ألمانيا)

هكذا دواليك حتى «اللانهاية»

«إسرائيل» لم تكن يوماً وطني، ولن تكون. أنا لا أملك النظرة التي امتلكها جيل أبي الذي اضطر إلى تغيير اسم شهرته في الحرب العالمية الثانية. فالذي بدا لذلك الجيل حلاً في ذلك الوقت، يبدو لي الآن فخَّاً. بالنسبة لي، إن كان هناك من درس يمكنني أن أستخلصه من التاريخ، فهو أن أعيش حيث أريد. لا يمكنني أن أمنع نفسي من التفكير بالسؤال التالي: ماذا لو كان اليهود قد رحلوا كلهم من أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟ ألم يكن هذا هو بالضبط مشروع هتلر بقيامة دولٍ «تمّت تنقيتها»؟ لا، العهد القديم ليس سجلاً عقارياً: من حيث أنا (أوروبا) أنظر إلى التاريخ نظرة يملؤها الرعب. أراه يعيد نفسه، وأرى حماقة الشر تدوم أكثر وأكثر. ضحية البارحة صارت جلاد اليوم. الاضطهاد ولّد الاضطهاد، كما ولّد النفي النفي وهكذا دواليك حتى «اللانهاية». يمكن أن يصف أحدهم الكلام الذي سأقوله الآن «بالمثالي»: أنا يهودية حيث أريد. أرفض الإبادة، أرفض نفيَ أجدادي الذين لم يكونوا فلسطينيين بل بولنديين وأوكرانيين. أحمل تاريخهم في اسمي. ذلك لأن هذا الماضي يعيش في داخلي، فمن غير المعقول أن يهرب مرّة أخرى لينعزل خلف الأسلاك الشائكة، ليبني غيتوهات جديدة، ويبرَّر أخرى.
ديبورا كمبسينسكي (بلجيكا)

«صراع الدعابة»

كوني فلسطيني، عشت الاحتلال منذ ولادتي، جرّبت المعاناة. اعتقلت أكثر من مرة، وكنت في مواجهة مباشرة مع الجنود الإسرائليين. واقع الأمور في فلسطين يزرع في داخل المرء بذور الكراهية تجاه المحتل. وغالباً ما تكون هذه الكراهية قوية، لدرجة لا تسمح له بالسؤال عن هوية «الآخر»، أي المحتل. أذكر أنني عندما كنت مراهقاً، ذهبت مع أبي إلى إسرائيل، فوجدت نفسي مع أسرة إسرائيلية، وقضيت مع أطفالها يوماً كاملاً. أعتقد أنه كان يوماً مؤثراً بطريقة تعاملي مع الآخر واستيعابي له. بعد ذلك اليوم بست سنوات فقط، وجدت نفسي في سجون الاحتلال. عندما خرجت، أجبرت على مغادرة جنين، وكان عمري 19 سنة. في بطرسبرغ، كان مدرس اللغة الروسية يهودياً. البروفيسور ياكوف كان فخوراً بمكانته في روسيا، وكان يرفض الذهاب إلى «إسرائيل». «ما لي والسلاح كي أذهب إلى إسرائيل؟» كان يتساءل. كان يقول دائماً أنه انسان لغوي وأدبي، وأن بطرسبرغ تناسبه أكثر من أي مكان آخر. كان مرحاً، وكان صديقي الأول في روسيا خلال فترة دراسية امتدت 11 سنة. كان ينعتني بالإرهابي، وكنت أنعته بالعنصري. «صراع الدعابة»: أعتقد أن هذا أفضل وصف لعلاقتي به.
أحمد فراسيني (فلسطين، جنين)