شبّ ولا بنت؟
منذ صغري، كانوا دائماً يهمسون من حولي ويقولون «صبي ولّا بنت؟». بدأ هذا الشيء، عندما كان عمري 7 سنوات. اليوم، صار عمري 24 عاماً، وما زالت تلك الهمسات هي نفسها. أبدو لهم ربما كفتاة «مصبينة»، عندما أكون بين الصبيان وكصبي «مبنّت» عندما أكون بين الفتيات.

دائماً، كنت أسمع أطفالاً يسألون أمهاتهم بطريقة عفوية «ماما هيدا بنت ولا صبي؟». ينظرون إليّ بعيون متفحّصة ويشدون تنانير أمهاتهم ليسألوا عن جنسي. كنت دائماً مطارداً بهذا السؤال ولا أزال. أسمعه في الشارع. في المطعم. في الحانة. كأن يقول أحدهم «هاي شب ولا بنت». لا أحد يوجه سؤاله لي، وهذا يعني بأنه لا يسعى لجواب. ربما، يريد أن يعبّر عن عدم الرضى. مهلاً، لماذا عليّ أن أكون واضحاً؟ ما هي المشكلة إن كنت مجهول الهوية الجنسية؟
أحياناً، أسمع صوتاً من خلفي يسأل. أستدير، فلا أجد أحداً. لقد بدأت أتخيّل أصواتاً في رأسي. وهذا ما يجرحني بعمق. أشعر بأنني مراقب طوال الوقت. يشيرون إليّ. يضحكون عليّ.
أنا، فعلاً، لا أهتم لما يفكر به هؤلاء، لأنني أعلم مسبقاً بأنهم يعتقدون بأنني شاذّ. لكن، لا أريد أن أكون دائماً تحت رحمة نظراتهم وأصابعهم الموجهة إليّ وابتساماتهم. أريدهم فقط أن يتركونني وشأني.
أريد أن أصل إلى مرحلة لا أنزعج فيها من السؤال. ربما، يوما ما، سأصل. سيحدث ذلك عندما أستطيع النظر في عيونهم لأقول شيئاً ذكياً وشجاعاً. كأن أجيبهم «لا أعلم» أو «ولا واحد» أو «بيعتمد على...» أو «حزار» أو «انت صبي أو بنت؟». أنا أعمل على ذلك. يوماً ما!


«سحاقية»

كلمة «lesbian» هي كلمة بشعة بالنسبة لي. تجعلني أبكي، خصوصاً عندما أسمعها باللغة الفرنسية، والتي هي الأكثر تداولاً في لبنان، «lesbienne». عندما «يمطّون» ألسنتهم وهم ينطقونها. والأكثر اشمئزازاً أيضاً، كلمة «دايك». لكن، مع ذلك، قد تكون كلها كلمات جيدة مقارنة بكلمة «سحاقية». تلك الكلمة التي تجعلني أتقيّأ. لا أدري إن كان ذلك يحدث بسبب الكلمة أم بسبب المعنى المقصود بها. المعنى المرتبط بصورة نمطية رهيبة رسمتها أذهان الناس لمثليات الجنس... والتي ترسّخت في ذهني أيضاً لوقتٍ طويل. يتملّكني الفضول أحياناً عندما أسمعهم يقولون ذلك. فأسأل نفسي: كيف يكّون الناس صورهم التي تتماشى مع تلك الكلمة؟ كيف يعطون معنى مطلقاً ومحدداً للكلمات؟ فعندما يقولون سحاقية، فهذا يعني لهم صورة واحدة في رؤوسهم.

لدي تجارب جنسية في حياتي،
لكن أقسم أنني لم أسحق أي امرأة، فكيف لكلمة سحاقية أن تعبر عني؟
بالنسبة لأمي مثلاً، فلها معنى واحد: «مسترجلة». هكذا، تصبح مثليات الجنس فتيات «مسترجلات» يرتدين ملابس الرجال... وليس الملابس «الدارجة»، كما يتحدّثن بصوتٍ عالٍ وهجومي ويفتعلن مشاجرات على الطرقات. هذا هو تفسير أمي وغيرها الكثيرات. لأجل ذلك، لم أستطع أن أسمي نفسي سحاقية. لقد رفضت ذلك من اللحظة الأولى. سأسمي نفسي فقط «مثلية الجنس» (gay). أشعر بأنها كلمة إيجابية أكثر وخفيفة. تعني لي السعادة والحرية. كنت دائماً ألجأ إليها وأحتاجها عندما يقال عن امرأة مثلية بأنها سحاقية. هناك أحاديث، أكثر وأكثر، عن المثلية الجنسية على شاشات التلفزة نسمعها كل عام. لقد رأينا ذلك أكثر على شاشات التلفزة الغربية أكثر من تلك اللبنانية والعربية. مثلاً، شاهدنا الحلقات القديمة من «will and grace» و»freinds»، كما سمعنا أخبار «آلن» التي تزوجت من شريكتها، وليندسي لوهان التي أقامت مع صديقتها، كما صفّقنا بمتعة عندما قبّلت «ميليسا اثريدج» شريكتها قبل الصعود إلى المسرح لأخذ جائزة الأوسكار. هؤلاء المشاهير دخلوا حياتنا اليومية عبر شاشات التلفزة. أما شاشاتنا نحن، العربية منها، فقد «ترجمت» كل ما يدل على مثليي الجنس بكلمة واحدة: شاذّ. كيف يمكن للمجتمع أن يبدأ التفكير بالمثليين على أنهم حالة جنسية طبيعية، وهو لا يزال يستخدم كلمة «شواذ»؟ في المعجم مثلاً، كلمة شاذ تعني منحرف، أي انحرف عن الشيء أو شذّ عنه. أما منحرف، باللغة الإنكليزية، فتحيلني على التفكير بمسنين يسيل لعابهم عندما يرون أطفالاً صغاراً! ولكن، ماذا بالنسبة للغة العربية؟ الشاذ أو المنحرف لا تعني سوى تلك الصورة المرتبطة بأذهان الناس.
وأنا، كـ»شاذة» أبعد من كل تلك التفاسير. أنا شخص عادي تماماً ـ فتاة طبيعية ـ أركض في شوارع بيروت. أرتدي سروال «جينز» و»تي شرت». أحب الفتيات اللواتي يملكن حس الفكاهة ويتحدثن بشغفٍ عن الكتب والأفلام. أشعر بالخجل عندما أعجب أحدهم أو أتخيله. وأشعر بالغباء عندما أخرج في الموعد الأول، ولا أبادر (…) أنا كل شيء، ما عدا «المنحرفة». أنا «شيء» عمره 20 عاماً. امرأة تبحث عن الحب والصداقة. لكن، عندما يراني الناس، يرونني كـ»شاذة» ولا يرون أي شيء آخر حقيقي. يرون فقط الانحراف الجنسي.
في الحقيقة، لم أسمع أحدهم يقول سحاقية أمامي. لكني، أرى تلك الكلمة بكثرة على شاشات التلفزة وفي مقالات تحمل عنوان: لواط وسحاق. «لوطي وفهمنا»، إنها أتت من قصة «سدوم وعمّورة». ولكن، من أين أتت كلمة سحاق؟ قرأت يوماً أنها تدل على فعل الجنس بين امرأتين عن طريق احتكاك الجسدين. استنتجوا فعل «السحق». قد يقال سحق الفريق الألماني الفريق البرازيلي بستة أهداف مقابل لا شيء. كيف لفعل كهذا أن يعبر عن طريقة حب بين النساء؟ أنا لدي تجارب جنسية في حياتي، لكن أقسم أنني لم أسحق أي امرأة ولم تسحقني امرأة، فكيف لكلمة سحاق أن تعبر عني؟
(…)
كجزء من عملنا، نحن الجمعيات التي تعنى بحقوق المثليين، علينا أن نعيد التفكير في هذه المصطلحات باللغة العربية. باللهجة اللبنانية. علينا تفكيك الصورة المرتبطة بالمثلية. نحن بحاجة لأن نقدم كلمات وصوراً بديلة.
أفكر ببعض الكلمات في اللغة العربية مثل مهبل وبظر واستمناء، ثم أعود لأفكر بدلالاتها والكلمات التي تعرف عنها باللهجة اللبنانية. الناس يعطون معاني للكلمات وهم أنفسهم يستطيعون تغييرها واستبدالها بأخرى جديدة، وهم أنفسهم أيضاً من يرفضون استعمال كلمات فظة. علينا أن نتحدى «المعاجم» في رؤوسنا. وسأبدأ بنفسي: «أنا سحاقية».


إيماني هو الحب



على مدى السنوات العشر الماضية من حياتي، كنت جزءاً من جمعية الشابات المسيحيات. كان عمري 10 سنوات، عندما انضممت إليها، وما زلت إلى الآن جزءاً منها. في أحد الأيام، وقد كان عمري 13 عاماً، كان لدينا اجتماع الأقاليم، وقد حضر الناس من مختلف فروع الجمعية. أذكر ذلك اليوم جيداً، وأنا أعبر إلى المكان، لفتت انتباهي إحدى الفتيات. شعرت على الفور بأن هناك شيئاً مختلفاً تجاهها. تحدثنا خلال اللقاء ثم واصلنا أحاديثنا بعد ذلك عبر البريد الإلكتروني، ثم عبر الهاتف، حيث أصبحنا "أعز الأصدقاء" وقد وجدت نفسي أبوح لها بأي شيء لا أستطيع قوله لآخرين. (...) في أحد الأيام خلال عطلة الميلاد، قبلتها. لا أعرف لماذا فعلت ذلك. وفي اليوم التالي، قررنا أن نتحدث في الأمر، وكانت ردّة فعلي القاسية. شعرت بالذنب عندما قلت لها إنه كان خطأً فادحاً ولا يجب أن يتكرر مرة أخرى. (…) ربما، لأن هذا ما علمنا إياه الدين. علمنا بأن المثلية خطأ. لا بل خطيئة.
(…) لكن، ثمة شيء واحد سأقوله: المثلية لا تؤذي أحداً ولا تسيء إلى الله. بل هي الحرية في الحب. لكن، ثمة صراع داخلي لا يمكن الانعتاق منه. وأنا أراه أيضاً لدى المثليات كلهن. يشعرن بأن شيئاً ما مفقوداً في حياتهنّ. لسن سعداء. ولذلك أراهن يلقين جانباً الدين لأنهن لا يستطيعن التوفيق بينه وحياتهن الجنسية. بالنسبة لي، ليس من المنطقي أن أعيش من دون روحانية أو معتقدات. ليس لي أي سبب لرفض القيم الجميلة عن الحب والمغفرة. فإيماني لا يقوم على التفاصيل، إنما على الحب.

حقوقي هي حقوقك كمان

قبل أن أعلم بأية نشاطات للمثليين في لبنان، كنت قد اعتدت أن أرسل رسائل عبر البريد الإلكتروني إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في بيروت، طالبة منهم العمل على حقوق المثليين في لبنان. لكن، لم يكن يصلني من هناك أي ردّ. حصل ذلك ما بين عامي 2001 و2002.
مرّت سنوات، قابلت خلالها بعض الناشطين المدنيين في لبنان، ثم عملت في منظمات تعمل هي الأخرى على تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. حينذاك، سألت العاملين في هذه المنظمات لم لا يدخلون حقوق المثليين جزءاً من حقوق الإنسان التي ينادون بها، وكنت دائماً أحصل على جواب واحد: «هذا الموضوع ليس أولوية. حقوق المثليين ليست مهمة».

سأستبدل كل شيء بحق واحد
هو أن أقول لأمي أنني مثلية وواقعة في حب فتاة


وفي إحدى المرات، دخلت في جدالٍ مع صديقتي. وكانت دائماً تحصل أحداث سيئة في لبنان. وفي يومٍ من الأيام، وكان هناك شيء ما حاصل، اتصلت بي وقالت لي «شفتي، هيدا أهم ولّا حقوق المثليين أهم؟».
كانت دائماً تذكرني بسؤالها هذا في كل حين. عندما غزت إسرائيل لبنان عام 2006، وعندما «خيّمت» المعارضة في وسط العاصمة، وعندما حصلت معركة نهر البارد وعندما مات المئات في غزة... وعندما وعندما. كان عليها أن تذكرني أن العالم في فوضى وأن الناس الذين يطالبون بحقوق المثليين أنانيّون ويفكّرون بأنفسهم.
أذكر حواراً «قاسياً» حدث في إحدى المقاهي في الحمرا بيني وبين الأصدقاء «الأكثر ذكاء وثقافة وتحرّراً». طوال جلستنا، التي استمرت ساعات، حاول أصدقائي إقناعي بأن أمور المثليين جيدة في بيروت، وأنهم بخير. يعملون. يحتفلون. يمارسون الجنس. يستمتعون بالحياة.
“أنا بالمطلق مع حقوق المثليين، ولكنها ليست الأهم الآن، لا نستطيع ولا يجب أن نتحدث عنها في مثل هذا الوقت، توجد مشاكل أهم وأخطر في البلد»، قال لي أحد هؤلاء الأصدقاء.
ودائماً، تجعلني تلك الحوارات أشعر بالإحراج. فالمطالبة بحقوق المثليين في بلدٍ كلبنان، فيه ما يكفي من المشاكل: التسوّل والجوع والأمراض والحروب وسوء معاملة الأطفال والتمييز على أساس الجنس والعنصرية وتعنيف النساء وغيرها الكثير من الأمور.
لكن، أتعلمون؟ لقد تعبت حقاً من الشعور بالذنب. من المطالبة بحقوق المثليين والشعور بأن نشاطي ليس له أهمية. لقد كبرت خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، وكنت هنا عندما أطلق اللبنانيون النار على بعضهم البعض وقتلوا الكثيرين من أجل الدين والطائفية والعرق. كنت هنا عندما ضرب صاروخ غرفة الجلوس في منزلنا، وعندما قتل ابن عمي في المعارك وعندما لم يجد والدي عملاً ونحن مفلسون وخائفون من السنوات المقبلة. أعلم بأن لي الحق في أن أعيش بأمان من كل هذه الأشياء، ولكنني سأستبدل كل شيء بحقي بأن أقول لأمي أنني مثلية، وواقعة في حب فتاة. هي تعتقد بأنها أعز صديقاتي.
عندما توقفت الحرب في لبنان، بدأت أمي تهتم بي وتقلق بشأني وصارت تظهر حباً أكبر، ولكن إن أخبرتها بأنني مثلية، فسوف تتركني وتكره نفسها وسوف تبكي لسنوات لأنها تعتقد أنها غلطتها وسوف تؤمن بأن ما يحصل معي هو مرض.
(…) لكن، هل تعلمون؟ المثليون أيضاً يعانون كما الناس العاديين، من التسول والجوع والحروب وسوء المعاملة والتمييز الجنسي والعنصرية والتعنيف، وهم يعانون التمييز العنصري أكثر لأنهم «شواذ». لقد ضربوا وطردوا من أعمالهم ورفضوا من عائلاتهم. لقد تحملوا الكثير.
كمجتمع، عندما نرمي عنصريتنا في وجه شخص لكونه مثليا أو متحولاً أو ثنائي الجنس فإننا نخاف من الآخر ونكره من هم مختلفون عنا ومن نعتبرهم غير طبيعيين.
أيذكركم هذا بشيء ما؟ هو تماماً كالتمييز العنصري ضد أشخاص من جنسيات أخرى. ضد الفقراء. ضد أشخاص من أديان أخرى ومن طائفة أخرى. تماماً كالتمييز ضد الجنس الآخر.
بالنهاية، عندما نقاتل من أجل قبول الآخر والحرية وحقوق الإنسان، لا يجب أن نستثني أي أحد وأن نقول هناك حق أهم من حق آخر.
حقوق الإنسان أفقية وليست عمودية
وحقوق المثليين هي حقوق الإنسان أيضاً.


عندما مات والدي

ما زالت والدتي حتى اليوم تفكّر بأنني مثلية لأن والدي توفي وخسرت القدوة «الذكر: في حياتي. وبطريقة ما، ساعدها هذا الشيء لتتقبلني. يبدو أن الناس يجدون من السهل تقبل المثلية الجنسية عندما يسندونها إلى سبب معيّن.
أما رد فعلهم السريع على ميولي «لا! ليش بدّك تطلعي هيك؟». وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني أن خطأً ما أصابك، لأنه «لو ربياكِ بطريقة صحيحة لما كنت سحاقية».
أذكر نقاشاً حصل مرة، وقالت خلاله إحداهن أنها ترغب أن تعرف السبب الذي يجعل الفتاة مثلية. وأضافت: نحن كلنا إذاً يجب أن نكون مثليين لأشياء حدثت في طفولتنا: إساءة معاملة. اغتصاب. فقدان الأهل. الطلاق. التجارب الفاشلة مع الجنس الآخر وأسباب أخرى.
توفي والدي بنوبة قلبية، عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، لم أبكِ. أردت أن أبكي ولكن لم أستطع وشعرت بالذنب لهذا السبب منذ ذلك الوقت. في الجنازة، أذكر أن جميع أقاربي قالوا لي: «عليكِ أن تكوني قوية، عليك أن تنتبهي لوالدتك، يجب أن تعتني بإخوتك». فجأة، أصبح مقبولاً أن أكون «مسترجلة»، لأن تصرفاتي كانت توحي بالصبيانية.
لم أكن حقاً أقوم بشيء مختلف سوى أنني دائماً كنت قلقة بشأن ما يجب أن أفعله لأساعد عائلتي. محافظة أكثر ومهتمة. أتأكد دائماً من أن الجميع سعيد.
حصلت على عمل عندما كنت في الثانوية. كان الناس يلقبونني بـ»أخت الرجال» و»حاملة المسؤولية» و»رجال البيت» وهذه الكلمات جيدة في مثل هذه الوضعية.
بطريقة ما، كنت مرتاحة وسعيدة. كان جيداً بالنسبة لي أن تكون لي شخصية قوية، ولكن لم أتصوّر أن أتجادل مع الرجال في العائلة. كان عادياً أن أرتدي مثل الرجال، ولكن لم أتصوّر أن أقع في حب فتاة. في الوقت نفسه، كان عليّ أن أعود إلى أنوثتي وأتزوج أحد الشباب.
مرت سنوات طويلة، لكن هذه العودة لم تحدث، وأعتقد أن عائلتي اعتادت عليّ بهذا الشكل. عندما أخبرتهم بأنني مثلية، لم يكونوا مصدومين تماماً ولم يسألوا عن حياتي الجنسية أو علاقاتي مع الفتيات. كنت أعلم أنهم متفقون ضمنياً على أن الظروف جعلتني مثلية. ولكن، كان يغضبني أنهم لم يفهموني بالشكل الذي أريده ولم يحترموا توجهي الجنسي. يغضبني أنهم لا يفهمون أنني أعرق كرجل وأن القوة ليست فقط من خصائص الرجال. النساء قويات أيضاً. بعد وقت، لن يزعجني هذا الأمر، فإذا الشفقة جعلتهم يتقبلونني، فأنا أقبل الشفقة.
دائماً أتساءل: كيف ستكون حياتي لو أن والدي ما زال حيّاً؟ أنا متأكّدة أنه كان سيسخط لمثليتي ومتأكدة أيضاً أن أمي وإخوتي لن يتقبلونني. وأعلم أنهم كانوا سيجبرونني على ارتداء فستان وعلى الزواج شعرت بأنني أنانية لأنني استفدت من موته وأنني لم أفتقده. شعرت بأن عليّ الاعتذار منه، لكنني رفضت هذه الأفكار منذ سنوات، وأرفض الآن التعامل معها.
بعد 12 عاماً من وفاة والدي، مررت بأصعب لحظات حياتي. انفصلت عن صديقتي لخمس سنوات. بكيت من «كل قلبي» على الفراق. بكيت لأيامٍ وليالٍ ولم أستطع التوقف عن فعل ذلك. لكن، أكثر ما كنت أبكي عليه، كان البكاء على نفسي وعلى حياتي المدمّرة وعلى معاناة والدتي. كبرت بسرعة، ولأول مرة منذ سنوات بكيت على والدي.