قبل أن تغادر مدينتها، وقفت سوجانا أمام برج «داراهارا»، والتقطت صورتها الأخيرة هناك. حدث ذلك قبل ثمانية أعوام. قبل أن يصبح «داراهارا» صورة محفوظة في هاتفها الذكي. تلك التي تنبشها كلّ ليل، مذ راح البرج إلى الأبد في الزلزال الذي ضرب مدينتها كتمندو في النيبال، قبل عشرة أيام.
لم يبق إلا تلك الصورة. تحتفظ بها لتريها لمن يسألها عما آلت إليه «المطارح» في مدينتها. من هناك، لم تحفظ إلا صورة البرج العملاقة وصوت الصلاة الخارجة من شبابيك المعابد الكثيرة. هذا جلّ ما بقي من المدينة المتعبة من موت مباغت. كتمندو «التي لم تعد موجودة»، تقول سوجانا، التي صرفت واحداً وعشرين عاماً من حياتها على أطرافها، في مساكن الفقراء. فعلياً، لم تعش سوجانا في كتمندو ـ المدينة، عاشت على الهامش هناك. بين الناس «الذين يشبهوننا»، تقول. الناس الذين تركوا قراهم في الجبال ولجأوا إلى حافّة المدينة. هؤلاء هم أنفسهم الذين يزورون قلب المدينة صباحاً، يلتقطون لقمة عيشهم، ليعودوا بها إلى بيوتهم المبنية على عجل. سوجانا واحدة منهم. لم تجلب من المدينة إلا بضع صور تذكارية كانت قد التقطتها إلى جانب «الأماكن التي أحب، فالمدينة هنا للسياح والأغنياء أكثر مما هي لنا». تحزن سوجانا لما آلت إليه كتمندو. كانت «مدينة رائعة، فيها معابد كثيرة وآثار تاريخية وقيّمة، وفيها حدائق أيضاً». أما الآن، فلم يعد هناك مدينة، سُويّت بالأرض، وكذلك حياة من فيها. تفتح هاتفها، وتبدأ بتقليب الصور التي نسختها عن مواقع التواصل الاجتماعي. أشلاء كثيرة. أشلاء ناسٍ قصدوا المدينة مثلها ليعملوا وأشلاء بيوت مبقورة وأشلاء حياة تناثرت في لحظة غضب فيها الله. تداعى كل شيء. لذلك، يأنس قلبها إلى الصور التي التقطتها قبل أن تترك النيبال إلى لبنان. فعلى الأقل، بقي شيء «من كتمندو التي أعرفها، فربّما لن أحبّ شكل المدينة بعد أن يعاد إعمارها»، تقول كتمندو التي استحالت بعد الحنين «أجمل من كل شي، حتى لبنان». وصلت إلى تلك القناعة متأخرة سنوات. عندما كانت هناك، كانت تظن أنّ لبنان أجمل من كتمندو. رأت ذلك على «فايسبوك». تلك الصور أحالتها إلى رسم صورة مغايرة عن لبنان «كنت أتخيّله بلداً أفضل بشكل عام من مدينتي ومنظّماً». ولذلك عندما ماتت والدتها بداء الربو وكرهت كتمندو، فكّرت بلبنان. وقد ساعدتها قريبتها، التي كانت تعمل في إحدى المناطق اللبنانية، على اتخاذ القرار سريعاً. حزمت حقيبتها، وغادرت كتمندو. بضع ساعات، عادت بعدها كتمندو الأجمل. حدث ذلك قبل ثماني سنوات، عندما وصلت سوجانا إلى مطار بيروت الدولي، وانتزع رجل الأمن الصلف جواز سفرها، طالباً منها الوقوف في طابور «الأفريقيات». بعد ذلك، «ساقوهنّ» إلى غرفة الحجز، التي بقيت فيها سوجانا ثلاث ساعات تنتظر الكفيل. كانت هذه صورتها الأولى عن لبنان. بعدها، تتالت الصور: صورة «الخادمة» التي لا يجوز أن تكون لها حياة خاصة ولا وقت للراحة طبعاً. صورة «اللبنانيين بشكل عام الذين يعتبرون أنفسهم من جنسٍ أرفع منّا»... وقذارة الشوارع وحتى البيوت «في الفترة الأولى لمجيئي، عندما كنت أخرج إلى الشرفة، كنت أنظر فقط إلى السماء، إذ لم تكن لدي القوة للنظر إلى الشوارع بسبب قذارتها». وهناك صورة... الأكل «بالصالون». تسألنا مستغربة «بتاكلوا بالصالون؟ ما في مطبخ؟ نحن في كتمندو نأكل في المطبخ، كانت ظروفنا صعبة وبيوتنا بالكاد تحوينا، ولكننا كنا نحترم النظام». قد تكون سوجانا تقبلت كل ذلك، إلا صورة واحدة لم تستطع استيعابها، وهي أنها هنا صارت تعرف بأنها «مسيحية. بتصير بتعرف حالك إنو انت بتصلي هيك والبقية بيصلوا بطريقة تانية». هذا، لم يكن يحدث في كتمندو. فرغم كثرة المعابد هناك وتعدّد الديانات، إلا أن «الصلاة كانت لواحد فقط هو الله». اليوم، تحنّ سوجانا إلى كتمندو. إلى داراهارا وضجيج الصلوات في الشوارع. وتحزن لأنه لم يعد هناك كتمندو. الزلزال أخذ كل شيء. وعلى حد قول فيروز في إحدى أغنياتها. أخد الناس وأخد المطارح.






◄ بلغت قوة الزلزال الذي ضرب النيبال 7,8 رجة على مقياس ريختر.

◄ خسرت قمة إيفرست، القمة الأعلى في العالم، 2,5 سنتيمتر من ارتفاعها، بحسب ما أظهرت معطيات أقمار الوكالة الأوروبية الفضائية، فيما «ارتفعت» العاصمة النيبالية كتمندو متراً إضافياً.


◄ لامس عدد قتلى الزلزال في النيبال 7600 قتيل، فيما تخطى عدد الجرحى 17500، وبقي 360 شخصاً في عداد المفقودين.

◄ دمّر 11000 مبنى حكومي، فيما تضرّر 14741 مبنى آخر بشكلٍ كبير. أما بالنسبة إلى بيوت المدنيين، فقد دمّرت 191058 وحدة سكنية وتضررت 175162 أخرى بشكلٍ جزئي.

◄ منطقة سيندوبال كانت الأكثر تضرراً، إذ خسرت معظم مبانيها و2911 قتيلاً من سكانها، وتأتي كتمندو في الدرجة الثانية، حيث فقدت 1200 قتيل، فيما خسرت نواكوت 904 أشخاص.

◄ شارك 4050 رجل إنقاذ من 34 دولة في أعمال الإغاثة في النيبال.

◄ أطلقت الأمم المتحدة نداء لجمع المساعدات من أجل النيبال، وقد بلغت قيمته 415 مليون دولار.