يقول حذيفة، بائع الورد، «لو في حدا يعلّمني ألعب كرة، كنت صرت أحسن من كريستيانو رونالدو».لم يكن حذيفة، البائع الجميل الذي لم يتجاوز عمره الـ11 سنة، يحتاج لسؤاله عن أحلامه، كي يسردها، يكفي أن تسأله عن حياته ـ كيف يتدبّرها ـ كي يخبرك كل شيء: كيف يتدبّر لقمة عيشه؟ كيف ينام؟ وأين؟ من أي مكانٍ هو؟ كل شيء.

في إحدى المرّات، وبينما كنت أتجوّل في شارع الحمرا، رأيته. توقفت بجانبه وسألته: بكم تبيع الوردة؟ ابتسم وقال لي: «أبيعها بقدر ما يدفع الناس، المهم أن يتجاوز ما يدفعونه سعر الوردة عندما أشتريها من محل الزهور».
تابعت الحديث معه، فسألته ما إذا كان يوافق أن تحتضنه إحدى المؤسسات التي تعنى بأطفال الشوارع، وأن تنمي موهبته في لعب كرة القدم مثلاً؟ فاجأني عندما رفض، متمنياً أن يحصل له شيء آخر. كأن يسافر إلى الهند أو ألمانيا أو إلى مدريد «كي ألتقي بفريقي المفضل». قال حذيفة كل ذلك، قبل أن تفاجئني ريماس، شقيقته، بسؤالها عما أريد من شقيقها؟ قلت لها بأننا نتحدث عن السفر والمواهب وكرة القدم. عندها ابتسمت وقالت، بعد أن وصَفَتْ أخاها بالمجنون، إنها تحب رقص «الباليه». وتضيف: «أريد أن أصبح راقصة باليه».
«من وين بتعرفي عن رقص الباليه؟»، سألتها.
قالت: «أخدتنا أمي على حفل الأمم (تقصد هيئة الإغاثة)، وهناك رقصت مع ولاد كتار».
ثم، بدأت تقلّد لي بعض الحركات التي تعلمتها هناك. لكن، الصدمة كانت عندما حملت كاميرتي ومسجّل الصوت، وتركتهما يهذيان أحلامهما لأضواء السيارات المسرعة. لأقدام المارّة، ولوجه الرصيف البارد، البعيد كل البعد عن الأحلام التي تتحقق.
أما أم علاء، فكانت لي معها قصة غريبة. عندما أقبلت إليها، ابتسمت لي ظنّاً منها أنني سأمدّ يدي إلى جيبي وأستلّ لها بعضاً من الأوراق النقدية، لكنها صدمت عندما عرفت أنَّ ما أحمله على ظهري كاميرا، وكل ما في جيبي مسجل صوت وقلم وورقة بيضاء مكتوب عليها نبذة عن بعض الأشخاص الذين صادفتهم قبلها.
سألتني: «شو عم تعمل»!؟
قلت لها بأنني أود أن أسألها بعض الأسئلة عن حياتها وما اذا كانت توافق أن تحتضنها مؤسسة ما، عندها قالت: «نحنا معترين يا خالتي، مين بدو يحضنا». أكملت: «يا خالة، إن أجبتني على بعض الأسئلة، ممكن تنحل مشاكلك ومشاكل أقرانك»
- «شو معنات أقراني؟ يعني ولادي؟»، سألت.
أجبتها مبتسماً: «اي يا خالتي، يعني ولادك والناس الي على الطريق متلك»».
سألت باستغراب: «اي وكيف بتنحل مشكلتنا؟»
«أنا رح انشر هالشي بالجريدة وممكن شي مؤسسة تلتفت للموضوع»، قلت.
لم أكد أنهي عبارتي، حتى قاطعتني بالقول: «تقبرني لا تعذّب حالك، صارلنا سنين بالشوارع ما حدا انتبهلنا مش شاطرين غير يبعتولنا الدرك يلمونا... وبعدين بطل حدا يقرا جرايد».
تلك العبارة الصادمة جعلتني أهذي بأسئلة لا جدوى منها. صرت أسأل نفسي، وأنا أسير في الشارع، أين اليونيسف؟ والجمعيات الخيرية؟ أين المجتمع المدني؟ أين الإعلام؟ والمؤسسات الحكومية؟
أكملت هذياني على نحو أسوأ: لم لا نسير ماراثوناً سنوياً من أجلهم؟ لم لا نحاول تسليط الضوء على مشاكلهم التي تحلها دولارات معدودة شهرياً؟ لم لا تقام مدرسة بجهود «الخيّرين» لتعليم هؤلاء الأطفال؟ لم لا يُعطى هؤلاء فرصة اكتشاف ذاتهم؟ مثلاً، ما الضير في أن تقوم قناة «أم بي سي» الخليجية، بالبحث عن المواهب لدى أولاد الشوارع؟ لو فكروا قليلاً، لوجدوا أن الموهبة التي تكتشف من تلك البيئة هي من أنقى المواهب وأكثرها قوة، فتلك «المواهب لم تطأها يد العقل التي تفسد الأشياء الجميلة»، كما يقول الرسام الهولندي فان غوغ.
ماذا لو حصل ذلك؟