أمس، انتظرت القنوات اللبنانية... الفتنة: وزّعت مراسليها بين منطقتَي المواجهة المُفترضة أي الطريق الجديدة والضاحية الجنوبية وانتظرت... لكن حتى ساعات المساء الأولى، لم تحمل الكاميرا سوى رسالة واحدة مفادها أن الأوضاع طبيعية في المنطقتَين، اللهم باستثناء بعض المفرقعات النارية التي أطلقها سكان الطريق الجديدة، احتفالاً بتسلّم مدعي عام التمييز في لبنان سعيد ميرزا نسخة عن القرار الاتهامي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
إذاً عادت المحكمة الدولية إلى الواجهة، لكن هذه المرة ليس من باب التسريبات الغربية (صحيفة «دير شبيغل» الألمانية، قناة «سي. بي. سي.» الكندية...). بل من خلال قرار اتهامي، ومذكرات توقيف سلّمها وفد من المحكمة للقضاء اللبناني وتضمّنت أسماء أربعة لبنانيين. هذا الخبر وحده كان كفيلاً بتأهّب التلفزيونات المحلية، وحتى العربية، محاولةً تزويد المشاهدين بكل المعلومات الممكنة، في ظل تكتّم القضاء عن مضمون هذا القرار.
هكذا انطلقت منذ الساعة العاشرة والنصف صباحاً لعبة تسريب أسماء المتّهمين الأربعة المفترضين. «أخبار المستقبل» كانت أوّل من نشر اسم سليم عياش «نقلاً عن موقع «الرواد»»، لتليها otv التي ذكرت اسم مصطفى بدر الدين «وفق ما أعلنته لنا مصادر خاصة». وإن كانت كل المحطات اتّفقت على هذين الاسمَين، بدا واضحاً أن المراسلين تاهوا في دوامة البحث عن الاسمَين الآخرَين: هل هما عبد المجيد غملوش وأسد صبرا؟ أم حسن عيسى وسامي عيسى؟ وهل مصطفى بدر الدين هو نفسه سامي عيسى وهو نفسه حسن عيسى وهما اسمَان حركِييَن له؟ أم حسن عيسى اسم حزبي لحسن عنيسة؟ أسئلة كثيرة طرحها الصحافيون الواقفون أمام بوابة قصر العدل، بحثاً عن معلومة من هنا، وتسريبة من هناك.
كذلك كان المشهد ضبابياً بالنسبة إلى المراسلين في قصر بعبدا. هناك انتظر هؤلاء انتهاء اجتماع مجلس الوزراء لمعرفة ما نصّ عليه البيان الوزاري للحكومة الجديدة، وتحديداً البند المتعلّق بالمحكمة الدولية. لكن قبل تلاوة وزير الإعلام الجديد وليد الداعوق نتائج الجلسة، كان سياسيو «14 آذار» قد أطلّوا على الشاشة (خصوصاً «أخبار المستقبل»)، لمهاجمة الحكومة، واتهامها بمحاولة التنصّل من التزامات لبنان الدولية. هكذا شاهدنا الوجوه نفسها تنتقل من شاشة إلى أخرى («الجزيرة»، و«العربية»، و«أخبار المستقبل»، وmtv...) مردّدة العبارة نفسها تقريباً وتحديداً عبارة «ما قبل القرار الاتهامي ليس كما بعده»! وبدت «أخبار المستقبل» في موقع التصويب على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فاستقبلت تحت عنوان «لبنان على طريق العدالة» وجوهاً طرابلسية داعمة لسعد الحريري: نقيب المحامين السابق في الشمال رشيد درباس، النائب سمير الجسر، النائب السابق مصطفى علوش...
وفي ظل غياب كل سياسيي الأكثرية الجديدة عن السمع، كان الوزير السابق وئام وهّاب الوحيد الذي أطلّ على شاشة «الجديد» ليؤكد أنّ «المحكمة إسرائيلية» مشيراً إلى «غباء في استعجال إصدار القرار الاتهامي». وبموازاة الاتصالات الإعلامية مع السياسيين، كانت بعض القنوات تعرض صوراً من تفجير 14 شباط (فبراير) 2005، فشاهدنا على «الجديد» مثلاً إعادة متكررة (ومزعجة) لصور أشلاء الضحايا الذين سقطوا في هذا التفجير، فيما استعادت «المؤسسة اللبنانية للإرسال» بالصور التسلسل الزمني للجرائم منذ عام 2005 حتى صدور القرار الاتهامي. كذلك كانت أول محطة تعرض صورتَين شمسيتَين لعياش وبدر الدين مع سيرة مقتضبة عن كل منهما. أما mtv فحصلت على معلومات «حصرية» هي أن القرار لم يذكر سوى المتهمين الذين أثبتت ضدّهم أدلة دامغة على تورطهم في الاغتيال، مذكرةً مراراً وتكراراً بأن المتهمين الأربعة هم قياديون في «حزب الله».
لكن يبدو أن كل هذه الضجة التي أثارها القرار الاتهامي لم تعنِ محطّتَي «المنار» وnbn. إذ تابعت الأولى إعادة عرض برنامج «ماذا بعد؟» من دون التطرّق ولو بشريطها الإخباري إلى هذا الموضوع. فيما تأخّرت قناة nbn كثيراً في الحديث عن القرار، واكتفت خلال النهار بالإشارة إليه، من دون أي تغطية خاصة. وإن كانت هذه اللامبالاة ـــــ أو الحذر ـــــ مبررة في هاتين المحطّتَين، بدا اهتمام «الجزيرة»، و«العربية» بالحدث مستغرباً. للمرة الأولى منذ أسابيع، تخلّت الفضائية القطرية عن «أولويتها» السورية، لتفسح المجال أمام الحدث اللبناني ليتصدّر نشرتها الإخبارية. أما «العربية» فتابعت طيلة فترة قبل الظهر التطورات مع مراسلتها عليا إبراهيم. وسلّطت الضوء على تأسيس المحكمة الدولية الخاصة في لبنان، وظروف نشأتها.



نقلاً عن...

في ظل شحّ المعلومات عن مضمون القرار الاتهامي وأسماء الشخصيات الواردة في النص القضائي، لجأت بعض المحطات إلى المعطيات التي نشرتها بعض المواقع الإلكترونية. هكذا استقت «أخبار المستقبل» معظم معلوماتها من موقع «الرواد» وهو موقع جديد تابع لصحيفة أسبوعية تحمل العنوان نفسه تصدرها الإعلامية ماريا معلوف. كذلك نقلت عن موقع «جنوبية» معلومات من مصادر مقربة من «حزب الله» قولها إن الحزب غير معني بالقرار. ولم تعلن المحطة ومعها مجموعة أخرى من القنوات إن كانت هذه المعلومات مؤكدة ومن هو المصدر الذي سربها.