حكاية هشام شربتجي (1948) مع لبنان، حكاية عشق وغرام. علاقته بالعاصمة اللبنانية لا تقتصر على جزء من مسيرته المهنية بعد الحرب مع مسلسل «اللعب ممنوع» (إنتاج محمد ياسين)، ثم مع الحلقات الانتقادية الكوميديّة CBM على mbc، بل هي علاقة أقوى وأمتن. يرى أنّه ليس وحده من يشعر بهذا الانتماء إلى لبنان، بل ينطبق الأمر على كل سوري «لأننا نشأنا على ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران، وصوت فيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي والأعمال الرحبانيّة». يصف لبنان بمتنفّسه إلى الحريّة «كلما قسا علينا بلدنا». أخيراً، أنهى المخرج السوري رحلته مع الكوميديا الاجتماعيّة «آخر خبر» الذي مثّل «فرصةً لي للإقامة ستة أشهر كاملة في بيروت، فكانت مصالحة مع الذات واستراحة من مشاكلي الخاصة»، علماً بأنّ العمل الجديد كتبه اللبناني محمد السعودي بالتعاون مع وسام صبّاغ، وتشارك في بطولته مارسيل مارينا وداليدا خليل. لم يفكّر الصديقان، السعودي وصبّاغ، في أن يحمل عملهما الكوميدي ـــــ الذي أمضيا عاماً كاملاً في كتابته ـــــ طابعاً عربيّاً، «لكن بالتنسيق مع المنتج مروان حدّاد وشركة «إيغيل فيلم»، جرت الاستعانة بنجوم من سوريا منهم مصطفى الخاني، وشكران مرتجى، وزهير رمضان ومحمد خير الجرّاح» يقول صبّاغ. ويكشف أنه «طلب منّا تقديم عمل يضم وجوهاً غير لبنانيّة، فوقع الاختيار على الممثلين السوريين الذين تحدثوا بلهجتهم كي تصل الدراما اللبنانيّة إلى العالم العربي»، آملاً أن تتحقّق الأمنية بعد التعاقد مع mbc على أمل عرضه في رمضان. ويضيف صبّاغ إنّ الأحداث تدور في مجلّة «آخر خبر» التي يملكها إبراهيم عوّاد (صبّاغ)، وهي مجلة اجتماعيّة تتعامل مع التحقيقات في كل المجالات «لنكون قريبين من الورطات الحياتيّة، ثم نتعرف إلى امرأة تدخل المجلة بهدف التدرّب».
الحديث عن الكوميديا يفتح شهيّة هشام شربتجي ـــــ الذي لقيت مسلسلاته الكوميدية نجاحاً عربياً ـــــ على شنّ هجوم على بعض الأعمال في الدراما السوريّة، كما يفتح النار على الدراما التي تتحكم فيها رؤوس الأموال الخارجيّة. وعند ذكر مسلسلَي «غزلان في غابة الذئاب» (2006) الذي أخرجته ابنته رشا، و«وصمة عار» (2007) للمخرج ناجي طعمة، يعلّق: «تورطني للحديث عن هذا الأمر، لست مع تحميل شخص مسؤوليّة الفساد كما رأينا في المسلسلين المذكورين». ثم يصوّب على «غزلان في غابة الذئاب» ، فيقول: «هذا العمل رمى حجراً في مياه راكدة، أرفض تطرف نصه الذي حمل بدايةً عنوان «ابن المرابع»، فهو لا يعالج فكرة بل يحاكم شخصاً. والأشخاص لا يفسدون أوطاناً. الأوطان هي التي تخلق الدكتاتوريّات»، علماً بأنّ المسلسل المذكور يرصد الفساد في الدولة وتحكّم ذوي السلطة في مصائر الناس من خلال علاقة ابن وزير (قصي خولي) بعائلة المرابع.
ورغم أن التواصل مفقود بين الأب (هشام) والابنة (رشا) منذ سنوات، يتحيّن الفرصة ليتغزّل بـ «غزلان في غابة الذئاب»، فيقول «العمل رائع، والأداء مميّز والإخراج جيّد لبنت عفريتة اسمها رشا شربتجي، قدمت يومها حبّة سكر جميلة، لكن في داخلها كان هناك دواء سام. وإذا وافقت على تنفيذها من دون أن تدري محتواها، فهذه مصيبة. وإذا كانت تعرف محتواها، ولم ترفض تقديمها فالمصيبة أكبر». يوضح أنه «اقترح عليها يوماً ألّا توافق على نص درامي آخر، فقيل في الصحافة إنّ والدها منعها من العمل خوفاً من الإرهابيين. ورغم انقطاع علاقته بابنته والمشاكل العائلية الكثيرة التي جعلته يعلن مراراً «أنها ماتت» بالنسبة إليه، يعدّها من أهم المخرجين السوريين إلى جانب الليث حجّو والمثنى صبح.
وهنا، يصوّب على رأس المال الذي يتحكّم في بعض المخرجين السوريين «لأنّ الأجيال القادمة لن تسامحنا، فليس منطقياً أن نتابع سلسلة أعمال موضوعها الإيدز والعصابات حتى نعتقد بأنها موجودة في كل حي». وعما إذا كان يدين المخرج يوسف رزق الذي لا يغيب موضوع الإيدز عن أي من أعماله، يجيب: «نعم، الزمن والتاريخ سيحاسباننا، والفاشل سيُفشلك». وعمّا إذا كانت الأمور تنطبق على مسلسل «ما ملكت أيمانكم» للمخرج نجدت أنزور، يقول: «لم تتح لي فرصة متابعة العمل بأكمله لأكوّن صورتي عنه، لكنني أصف أنزور بالمخرج الساحر». ثم يكشف «أتفرج على «زمن العار» و«تخت شرقي» وأفرح، وأنظر باعتزاز إلى «وراء الشمس» لسمير حسين مع بسام كوسا، وأحزن لأنّني غائب عن الدراما السوريّة منذ أكثر من عام». وحين نأخذه إلى السياسة، ونسأله عن الثورات العربية المتنقّلة، يجيب: «هل اكتشفنا بعد 42 سنة أن القذافي دكتاتور، قل لي من صنعه؟ لماذا كانت الأجيال خائفة ولم تعد تخاف، فلنسأل عن أسباب نشوء هذه الدكتاتوريّات».



لا «للديموقراطية العراقية»

تنبّأ هشام شربتجي بالتظاهرات ضد النظام الطائفي في لبنان قبل أيّام من حصولها. يومها، رأى مساعدوه أنّ كلامه ضرب من الجنون، لكنه لم يستطع توقّع وصول التظاهرات إلى سوريا. «هذه الثورات، تحتاج إلى أرضية، ونحن لا تهمنا الإثنيات والطوائف. ولدينا هوامش حريّة في سوريا، نخاف إذا زادت أن تتحول إلى فوضى». ثم يثني على «الدكتور بشّار الذي يحارب الفساد». ويؤكد أنه «إذا كان التغيير سيحوّلنا إلى عراق ثان، فلا نريده. نعرف الديموقراطية وما فعلته في بغداد. وإذا كانت المحكمة ستخرجنا في تظاهرات من أجل الحقيقة، فلا نريدها، لأننا نعرف المحكمة الدوليّة وما فعلته في شوارع لبنان».