بعد غد الخميس، تقام جلسة الاستماع الأولى في الإخبار الذي أحاله النائب التمييزي القاضي حاتم ماضي إلى قسم المباحث الجنائية المركزية ضد نديم قطيش. الإعلامي اللبناني الذي صار نجم الـ «نيو ميديا» في الآونة الأخيرة متّهم بـ «تهديد السلم الأهلي والاعتداء على مؤسسات الدولة» إثر خطابه الشهير خلال تشييع اللواء وسام الحسن في وسط بيروت قبل عشرة أيّام. في خطوة محمودة، قرّر القضاء اللبناني فرض احترام القوانين من الآن فصاعداً، فإذا به يدشّن هذه المرحلة بمقدّم DNA على شاشة «المستقبل». مجدداً، يكون الإعلامي «النقطة الأضعف» في بلد التوازنات والمحسوبيات السياسية والطائفية.
صحيح أنّ الإعلامي ليس فوق القانون، وربّما عبّر قطيش عن رأيه بطريقة خاطئة أو متهوّرة، لكن كيف تكون المحاسبة؟ وهل تكون محاسبة فرديّة؟ ثم «أليست تهمة «تهديد السلم الأهلي» واهية ومطاطة، ويمكن استعمالها لتكميم حريّة التعبير؟ ألم ينتبه القضاء مثلاً إلى خطابات التحريض المذهبي المعلن الذي ما انفك الشيخ أحمد الاسير يبثّ سمومه على الشاشات والمنابر؟ ألا يعتبر التحريض الطائفي والمذهبي مخالفةً صريحةً للقوانين؟ الأسير ليس سوى مثال كاريكاتوري عن الكثير من السياسيين اللبنانيين الذي يعتلون المنابر الإعلامية كمن يعتلي ساحة حرب... وليس الإعلاميون ببعيدين عن ذلك أيضاً. إذا أراد القضاء محاسبة نديم قطيش الذي ارتكب حماقة ذلك الأحد في أفضل الحالات، ألا ينبغي اجراء محاسبة جماعيّة لمنظومة إعلامية كاملة ومتكاملة تضخّ سموم التعبئة والتحريض ليل نهار في الصحف وعلى الشاشات ومن خلفيات سياسية وايديولوجية واجتماعية مختلفة؟
هذا ما توافق عليه ليال بهنام تنوري منسّقة المشاريع في مؤسسة «مهارات». تقول الناشطة في المؤسسة المعنية بالدفاع عن حرية الرأي والتعبير، إنّ المؤسسة «مع حرية التعبير والرأي شرط أن لا تضرّ بالغير». إلا أنّها تسجّل استغرابها على انتقائية القضاء في مسألة قطيش «هناك الكثير من السياسيين الذي يخرجون علينا بخطابات تتوافر فيها العناصر الجرمية بشكل واضح جداً، إلا أنّ ذلك لم يدفع القضاء إلى التحرّك» وتختم: «نحن مع حرية الرأي على أن لا تتجاوز القوانين المرعية الإجراء، لكن أيضاً أسجّل هنا انتقائية القضاء اللبناني». الانتقائية التي تتحدّث عنها بهنام، يختلف توصيفها على لسان نديم قطيش. يعتبر الأخير لـ «الأخبار» أنّها «حرب تأديب لقوى 14 آذار من خلالي أنا شخصياً. أتكلم هنا من الناحية السياسية. أما قضائياً، فنحن نتعاون مع القضاء في هذا الملف، وسندافع عن أنفسنا بكل الوسائل القانونية انطلاقاً من إيماننا بالدولة». فهل فعلاً هناك حرب سياسية على قطيش؟ حقوقي بارز، ناشط في معركة حريّة التعبير، فضّل عدم الكشف عن اسمه، يقول لـ «الأخبار» إنّ قطيش دعا إلى الهجوم على السرايا، أي «أنّه دعا إلى فعل مباشر هو حكماً مخالف لقانون العقوبات. وفي الكثير من الدول، هناك مواد تعاقب مَن يدعو إلى وضع اليد على مؤسسات عامة بالقوة». ويختم: «إذاً نحن هنا في مكان آخر لا يتعلّق بحرية التعبير عن الرأي، طالما أنّ التعبير عن الرأي أمرٌ، والدعوة إلى أفعال مباشرة أمر آخر».