ندوة «الرقابة في لبنان» التي نظّمتها مجموعة MARCH، هذا التحرّك المدني من أجل المواطنة والديموقراطيّة والاستقرار الأهلي في لبنان، جمعت بين الجرأة والموضوعيّة والأمانة. مدير النقاش الباحث السياسي والناشط في مجال حقوق الإنسان جان ـــ بيار قطريب حقن النقاش بما يلزم من الزخم والحيويّة واحترام الاختلاف. إلى يمينه الوزير السابق طارق متري الذي ترك أثراً مشرّفاً في معارك حريّة التعبير (رغم زلّة مسلسل «السيّد المسيح»)، بدا الأكثر إلماماً بالجوانب العمليّة لهذا الموضوع الشائك، من إداريّة وقانونيّة و… سياسيّة (بالمعنى اللبناني الأضيق للكلمة).
أما أندريه قصّاص رئيس لجنة الرقابة، فشكر بنادين لبكي لأنّها قبلت تسوية مع الأمن العام من تحت الطاولة، فيما رفضت دانيال عربيد التسوية، وفضّلت تفجير القضيّة على الساحة العامة. وهذه الأخيرة، كما لاحظ مستنداً إلى أساس قانوني واه، «فيلمها لا ينطبق على السيناريو الذي نالت على أساسه إذن التصوير». بدا قصّاص آتياً من زمن آخر، بطريقة إلقائه واستعاراته ومفرداته، بخطابه ونبرته الأبويّة، ولجوئه إلى الابتزاز الأخلاقي المعهود: «هل ترضون بذلك لأطفالكم؟». لكنّ مجرّد مشاركته تنمّ عن شجاعة، في غياب أي ممثّل للأمن العام، ويقول الذين التقوه إنّه يبقى من أكثر الرقباء «ليبراليّة».
كوليت نوفل، مديرة «مهرجان بيروت السينمائي الدولي»، استعادت متاعبها مع الرقابة، بتهذيب ديبلوماسي يترك دائماً مجالاً للتسوية، وبلغط جعلنا نخال للحظة أنّ المشكلة هي «سوريا… وإيران» لا السلطة اللبنانيّة، والقانون اللبناني. وكان مسك الختام جهاد المرّ مدير شركة 2U2C التي أثارت النقاش قبل عامين باستقدامها فرقة «بلاسيبو» العائدة من إسرائيل. معه انتقلنا من مناقشة رقابة الدولة، إلى مقارعة ما يعتبره «إرهاباً فكريّاً» تمارسه مجموعة من خمسين مهووساً، لا يعرف تماماً أن اسمهم «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل في لبنان». سخر المرّ من «التحجّر» الذي يمنع استقدام أدامو وإنريكو ماسياس وأمثالهما إلى لبنان، فيما هم على الرحب والسعة في دبي. ما همّ إذا كان بعض ضيوف المرّ المشتهين، إنما غير المرحّب بهم، معروفين بدعمهم لإسرائيل؟ هذا تفصيل لا يستحق الذكر. وطبعاً شنّ المرّ حملته المعهودة على «الأخبار» التي خصصت غلافاً لزيارة «بلاسيبو» مثار الجدل. لفتنا نظر المرّ إلى كونه يحاول أن يحرم فئة من اللبنانيين من التعبير عن رأيهم، دفاعاً عن نشاطاته الاستثماريّة والتطبيعيّة. وذكّرناه بأنّه المدير التنفيذي لقناة تمارس رياضة «الوشاية» وإغلاق السينمات بتهم قروسطيّة، وبالتالي آخر من يحقّ له الدفاع عن الحريّة! هنا بدأ الأستاذ جهاد يتكلّم مثل الرقيب، عن العري والجنس والفحشاء، خاتماً بعبارة: «لا أريد سينما كهذه تحت بيتي!». ذلك ربّما الدرس الأثمن لندوة «مارش»: الغوغائية لا تخدم معركة التقدّم… وحريّة خصمي هي من صميم حريّتي: فالحريّة لا تتجزّأ، والدفاع عنها لا يمكن أن يكون انتقائيّاً.