الكويت | أثار المسلسل التاريخي «عمر» المزمع عرضه على mbc وتلفزيون «قطر» في رمضان، ردود فعل متباينة في منطقة الخليج، وخصوصاً الكويت والسعودية. نوّاب كويتيّون متشددون طالبوا أخيراً الجهة المنتجة للعمل بإيقافه، ووصلت الأمور إلى حد التهديد والوعيد، إذا لم تمتنع المحطتان عن عرضه في الموسم المقبل «لأنّ ذلك مخالف للشريعة الإسلامية التي تمنع تجسيد أهل البيت والخلفاء الراشدين» بحسب تصريحاتهم.
القصّة ليست ابنة اللحظة، لأنّ هذه المطالبات انطلقت منذ أن أعلنت الشبكة السعوديّة و«مؤسسة قطر للإعلام» بدء التحضير لما وصفته «أضخم إنتاج مشترك يطرح سيرة أمير المؤمنين». ومع اقتراب موعد العرض، زادت وتيرة الاعتراضات والانتقادات من برلمانيين وحقوقيين يرفضون ما سموه «المساس بالعقائد الدينيّة». وانطلقت «حملة غاضبة» في الشارع الكويتي تقودها مجموعة من أعضاء البرلمان الكويتي من الإسلاميين المتشددين، طالبوا فيها وزراء الإعلام الخليجيين بمنع عرض المسلسل، الذي كتبه الأديب الفلسطيني وليد سيف وأخرجه حاتم علي، وهو الثنائي الذي قدّم المسلسل الشهير «التغريبة الفلسطينية» عام 2004. علماً أنّ «عمر» يجمع حشداً من الممثلين السوريين، منهم غسّان مسعود، سامر عمران، فايز أبو دان، منى واصف، قاسم ملحو، مي سكاف، ثم المغربي محمد مفتاح، والكويتي فيصل العميري، والعراقي جواد الشكرجي، والتونسي فتحي الهداوي، والقطري غازي حسين، والمصريّة ألفت عمر وغيرهم.
الأصوات المعترضة لم تجمع على سبب المطالبة بالمنع. بينما رفض البعض تقديم سيرة الرسل والأنبياء في الدراما أساساً، حمّل آخرون القضية بعداً عقائديّاً، واحتجوا على إسناد شخصيّة الفاروق إلى شاب مسيحي هو سامر اسماعيل. وهي الأصوات نفسها التي اعترضت سابقاً على تجسيد الممثل السوري باسم ياخور شخصية القائد العسكري المسلم خالد بن الوليد في الجزء الأول من المسلسل (قدمه سامر المصري في الجزء الثاني). وظهر اقتراح آخر يتمثّل في إخفاء وجوه الصحابة، ما أثار استياء الأبطال، واستغرب غسّان مسعود الذي يجسّد شخصية أبو بكر الصديق، الجدل المثار حول المسلسل، مشيراً إلى أن قائمة العلماء الذين أجازوه تشمل الشيخ يوسف القرضاوي. ورفض اللجوء إلى إخفاء وجه الشخصية التي يؤديها «لأنّه لا داعي إلى مشاركتي في هذه الحال، فأي ممثل قادر على تجسيد الشخصيّة عندها».
من جهتها، قابلت شركة O3 ـــــ إحدى الجهتين المنتجتين للعمل ـــــ هذا الرفض بـ «التحدي» إن جاز القول، حيث وقعت عقوداً مع محطات وقنوات عالميّة على عرضه مدبلجاً بلغتها على شاشاتها منها ATV التركية، وMCN الإندونيسيّة، وقنوات ماليزيّة وباكستانيّة، ثم مع BBC... كما كثّفت mbc حملتها الدعائية للمسلسل مع اقتراب رمضان مستفيدة من هذه الضجة، واتفقت فوراً مع الداعية عمرو خالد على تقديم برنامج ديني رمضاني بعنوان «عمر صانع حضارة»، ومع الشيخ نبيل العوضي على تقديم برنامج «قصة الفاروق»، وهما يتناولان سيرة الخليفة وإنجازاته في الإدارة والسياسة والتربية.
ولم يعبّر النواب الكويتيون عن آرائهم في البرلمان فحسب، بل استخدم النائب المتشدد محمد هايف صفحته على تويتر، وطالب في إحدى تغريداته وزراء الإعلام في دول مجلس التعاون الخليجي، باتخاذ موقف لمنع عرض المسلسل «لأنّه مسيء إلى الصحابة، وذلك عملاً بفتاوى علماء الدين واحتراماً لمشاعر المسلمين». وسبقه في المطالبة نفسها أستاذ الشريعة في جامعة الكويت محمد الطبطبائي، معتبراً أنّ «العمل تزييف للتاريخ»، فيما رفع المحامي الكويتي دويم المويزري دعوى قضائية ضد قناة mbc، بسبب عرضها مسلسل «عمر» ووجود موانع شرعية تمنع تمثيل أو تجسيد شخصيات الصحابة في الأعمال التلفزيونيّة والسينمائيّة.
في المراحل الأولى، حصلت الشركتان المنتجتان على شرعيّة أتاحت لهما التحضير بكل ثقة للعمل، بعد تشكيل لجنة من علماء الدين المسلمين لمتابعة النص، تشكلت من رئيس الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين يوسف القرضاوي، ونائب رئيس منظمة «النصرة» العالميّة سلمان العودة، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي الصلابي، والأستاذ الجامعي ونائب المشرف العام في مؤسسة «الإسلام اليوم» عبد الوهاب الطريري، وأستاذ السياسة الشرعية في «المعهد العالي للقضاء» سعد بن مطر العتيبي، وعضو لجنة إحياء التراث الإسلامي والنشر العلمي في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر أكرم ضياء العمري.
والسؤال: إلى متى ستتمكن قناتا mbc و«قطر» من الوقوف في وجه الحملة التي تزيد حدتها؟ وهل يجد مسلسل «عمر» طريقه إلى العرض، رغم كل الأصوات المعترضة وزيادة صفحات الفايسبوك المهاجمة له؟