القاهرة | إذا كنتَ محقاً وتلتزم تطبيق القانون، فلماذا تخشى وجود الصحافيين؟ وإذا كانت الثورة المصرية قد انتصرت بالفعل، فكيف يتعرض هذا الكم من الإعلاميين للاعتقال والضرب بعد عام ونصف على سقوط حسني مبارك؟ رغم كثرة المواجهات التي كانت تحصل بين المعتصمين والمتظاهرين من جهة، والبلطجية (أحياناً) ورجال الشرطة من جهة أخرى، إلا أنّها لم تشهد هذا الكم من الصحافيين المصريين الذين تعرضوا للضرب والاعتقال ومصادرة أدواتهم الصحافية، كما حدث يوم الجمعة الماضي خلال تغطية «جمعة الزحف» أو «جمعة النهاية» في ميدان العباسية. للمرة الأولى، كانت المواجهة مباشرة بين المعتصمين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، وبين جنود الجيش المصري الذين وقفوا لمنع الكل من الاقتراب من مقر وزارة الدفاع.
غير أن الصحافيين الذين اعتُقلوا لم يكونوا قد وصلوا إلى ميدان العباسية بعد. الصحافيان إسلام أبو العز وأحمد رمضان مثلاً، قُبض عليهما في ساعة مبكرة من النهار في ميدان عبدو باشا القريب من ميدان العباسية. آخرون وقعوا في قبضة رجال الشركة العسكرية داخل «مسجد النور». أما جميعهم ومعهم الكثير من النشطاء والأطباء والفتيات، فقد تعرضوا للاعتقال المباشر والضرب العنيف، قبل أن يُخلى سبيلهم بعد ضغوط كبيرة مارستها نقابة الصحافيين، وخصوصاً وكيلة مجلس إدارة النقابة عبير سعدي، ومنظّمي الوقفة الاحتجاجية التي أقيمت أول من أمس أمام النقابة في وسط القاهرة. وكما هو معتاد، استخدمت السلطات القوانين المعيبة التي وضعها نظام مبارك من أجل تقييد حرية نقل المعلومات إلى الجمهور. وقال رئيس هيئة القضاء العسكري اللواء عادل المرسي لنقيب الصحافيين المصريين ممدوح الولي إنّ من قبض عليهم لا يحملون إثبات العضوية إلى النقابة، وهي أزمة مزمنة تحكم علاقة الصحافيين مع الجهات الرسمية في مصر، إذ يعاني الصحافيون الشباب لسنوات طويلة من أجل الدخول في النقابة. لكن الولي تدارك الأمر، وأكد أنّ النقابة تدافع عن حرية الرأي عموماً، لا عن أعضاء فقط. وأكّد نية النقابة تقديم شكوى رسمية إلى الاتحاد الدولي للصحافيين. أما عبير سعدي فصرحت بأنّ عسكرياً بارزاً في جهاز الشؤون المعنوية للقوات المسلحة المخوّل بالتعامل مع الإعلام، ردّ عليها بالجملة الشهيرة التي يروّجها كل رافضي الاعتصامات في مصر وهي «وهو ايه اللي وداهم هناك؟».
هكذا، وُضع اللوم على صحافيين شباب قرّروا أن ينقلوا الحقيقة إلى الناس من دون حماية، ولم يتوقعوا أن يُعتقلوا بسبب قلم وهاتف خلوي! تلك هي أسلحتهم التي دخلوا بسببها الاعتقال ثم أُفرج عنهم بعد يومين عصيبين لأنّ جهات التحقيق لم تثبت حملهم أي أسلحة. وشمل التعامل التعسفي المصورة البلجيكية فرجيني نوين في «المصري اليوم»، وزميلها محمد الشامي، والمصوّر محمد عمر في جريدة «الوطن»، إلى جانب طاقم عمل «قناة 25». غير أنّ ما نشرته «البديل» عن تعرّض الصحافيين إسلام أبو العز وأحمد رمضان للتعذيب يؤكّد أنّ الهدف كان ترهيب الصحافيين حتى لا يقتربوا مرة أخرى من أماكن الاعتصامات، وحتى لا يرى أحد كيف يتعامل النظام الحاكم في مصر مع أصحاب الرأي والمطالب الذين ظنوا أنّ الثورة ستحقق كل أحلامهم، قبل أن يكتشفوا، ومعهم الصحافيون الشباب، أنّ كابوس مبارك لا يزال مستمراً.