هبت العاصفة «الكسا» مرتين هذه السنة. في المرّة الأولى حملت معها ريحاً وبرداً قارساً، واضعة مخيمات النزوح السوري في لبنان في مهب الكارثة. أما المرة الثانية، فكشفت عن خلايا عنصرية منضوية تحت لواء الصحافة. مثلاً، نشرت الإعلامية في تلفزيون NBN رشا الزين تعليقاً على فايسبوك، أثار حفيظة الكثير من رواده، إذ كتبت: «سؤال محيّرني كل ما بدعس بخيم النازحين. كيف الن نفس ع بعض، وليش عم يخلفوا لازم بعد ألكسا بدل البطانيات، يوزعوا مانع حمل».
تقرأ هذا «البوست» بعد أن تكون قد شاهدت على الشاشة نفسها وربما بلسان المراسلة نفسها تقريراً عن الأوضاع المزرية لهؤلاء النازحين الذين أجبرتهم الحرب على أهون الشرين: إما الموت في بلادهم أو الموت في صقيع الغربة.
رغم بشاعة تعليق الزين، إلا أنّه وجد بعض المدافعين عنه ممن اعتبروا أنّها «صفحتها الخاصة. وفُهمت بشكل خاطئ». لكن للزين آلاف الأصدقاء على الموقع الأزرق، فضلاً عن حوالي 6000 متابع. نال التعليق المذكور الذي حذف لاحقاً، انتشاراً وتأييداً كبيرين. إذاً، في معادلة حسابية بسيطة، تتضح المسؤولية. لأي إعلامي/ إعلامية عدد لا يستهان به من المتابعين الذين يعتبرونه مصدراً موثوقاً للمعلومات ومؤثراً في الرأي العام، وبالتالي لا بد لتعليقات مماثلة من أن تقود شريحة معينة من الرأي العام
لتبنّيها.
رشا الزين ليست الوحيدة. سنا أبو حيدر، العاملة في قناة «الميادين» كانت لها حصة في الشماتة أيضاً. كتبت أبو حيدر على صفحتها الفايسبوكية: «مخيم عرسال للاجئين. الله لا يشيل عن قلبكن شمتانة للسما. اللي بدو يعطيني محاضرات بالإنسانية يسكر تمو لأن صراحة لإجري هالخونة». وكما الزين، كان لأبو حيدر حصة وافية من الانتقادات دفعتها إلى حذف التعليق. وسرعان ما خرجت أصوات تطالب بفصل الآراء الشخصية التي ينشرها البعض على الفايسبوك عن الموقع الذي يشغلونه في أي مؤسسة إعلامية.
في هذا السياق، لا بد أن نتطرّق إلى التغطية المباشرة لبعض القنوات التي تنقل مراسلوها بين الخيام باحثين عن سكوب صحافي. تلحّفوا بالمعاطف، وكرروا الأسئلة نفسها: «بماذا تشعرون؟ بردانين؟ ماذا ستفعلون؟».
ليس للإنسان العادي في سوريا ذنب في ما تقترفه السياسة، كما أنّ المهنية ليست في إلقاء اللوم على رواد خيم لا يملكون سوى الشكوى. المسألة بسيطة، إما أن تكون صحافياً، أو عنصرياً. أما الجمع بين الأمرين، فهو غير منطقي. وإذا كان الخيار للصحافة، فثمة قواعد تحكمها أولها القرب الحقيقي من الناس، وعلى رأسها التواضع والابتعاد عن العنصرية والإهانة، فضلاً عن تحمّل مسؤولية أي تصريح تجاه الرأي العام.