لعبة الخيال السعودية قد تجبرنا قريباً على تصديق قرار منع استيراد الهواتف الخلوية المزودة بالكاميرات مثلاً، أو منع تطبيقات يوتيوب وتويتر وفايسبوك للحد من انتشار ظاهرة التصوير في البلد المحافظ. المملكة الوهابية تتجه إلى «تنظيم» النشر على الإنترنت، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيضطر كلّ من لديه مقطع فيديو على هاتفه أن يحصل على رخصة حكومية لنشره، إذ بدأت السلطات السعودية ممثلة بـ«هيئة الإعلام المرئي والمسموع» بإعداد لائحة جديدة تحدّ من التصوير العشوائي في الأماكن العامة، يتوقع إصدارها خلال أيام، في محاولة لتضييق الخناق على الحريات المكتسبة حديثاً في عصر النيوميديا بدعوى تنظيمها.
تأتي هذه الخطوة بعدما انتشرت أخيراً مجموعة من الفيديوات التي أثارت جدلاً لم ينته على الـsocial media، أبرزها حادثة مقتل شابين بسبب مطاردة المطاوعة لهما في أحد شوارع الرياض، وفيديو عن التحرش بفتيات شرق السعودية، إضافة إلى تسجيل هفوات المسؤولين في الدوائر الحكومية، وتعذيب العمال الأجانب، وخصوصاً مقطع مصوّر نشر أخيراً على يوتيوب أظهر «سعودياً يضرب عاملاً أجنبياً بتهمة مغازلة زوجته». وبعض هذه الفيديوات كشفت معاملة إثيوبيين مخالفين لقانون الإقامة في المملكة، وتجاوزات وحشية مورست أثناء القبض عليهم، ما أدى إلى مقتل بعضهم (الأخبار 27/11/2013).
ولو صدرت اللائحة الجديدة، فستكون سيفاً تشهره الجهات الأمنية السعودية في وجه الناشطين الإلكترونيين. ويفترض أن تلاحق كل المقاطع المصورة «المخالفة للأنظمة» من قبل القسم الخاص بالجرائم الإلكترونية التابع لوزارة الداخلية. هذا الأخير يستخدم أحدث الأجهزة للتدقيق في محتوى كل ما يُتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو من خلال «برود كاست» على الهواتف الذكية، أو حتى عبر الـ«واتس آب».
إذاً، الأخ الأكبر السعودي سيبدأ بمحاربة بث «الشائعات» المصورة التي تسيء إلى المسؤولين وجهاز الشرطة بعقوبة السجن لمدة 5 سنوات مع غرامة مالية ضخمة تنص عليها المادة 6 من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، وتشمل كل من يسهم في صنع تلك المواد أو يساعد في نشرها أو تخزينها.
المهددون بهذا التدبير الجديد عبّروا عن معارضتهم لهم، وعلى رأسهم عمر حسين مقدّم «على الطاير»، أحد أهم البرامج الكوميدية السعودية على يوتيوب. من خلال صفحته الشخصية على تويتر، سخر الشاب قائلاً: «عزيزي مصور الفضيحة، المضاربة، المسؤول من جوالك الآي فون، الله يخليك صور بالعرض. رجاءً».
خلطة «ممنوع التصوير» لأي انتهاك أو فساد أو تحرش أو هفوات المطاوعة القاتلة يجري الإعداد لها أمنياً. قرار يستهدف شعباً بكامله، يوجّه المسؤول من خلاله المواطنين لناحية كيفية استعمال هواتفهم. ومن يدري، قد يقتصر استخدام عدسة الهاتف بعد هذا القرار على تصوير النخيل والعصافير التي ربما ستعترض هي الأخرى لانتهاك خصوصيتها داخل أسوار المملكة الوهابية!