يمثّل استطلاع الرأي أحد أبرز أوجه الديمقراطية، ويعدّ محاولة لاستمزاج الرأي العام ومعرفة اتجاهاته حيال قضية محددة، ليصار لاحقاً إلى اتخاذ إجراءت عملية تتماهى مع هذه النتائج أو تبني عليها ضمن استراتيجية معينة. في الآونة الأخيرة، برز موضوع تدخّل «حزب الله» في مدينة القصير. جذبت هذه القضية الكثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وباتت تطرح أسئلة كثيرة تترافق مع مجموعة إشكاليات سببها الانقسام الحاد بين مؤيد لهذا التدخّل ومعارض له. هذه الوسائل الإعلامية استقرأت أهمية الموضوع وحيثيته الكبرى في تطويعه بغية الاستقطاب و... الربح المالي.
اليوم، يطلع مارسيل غانم جمهوره في نهاية حلقته من «كلام الناس» على نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه حول: «هل أنت مع قتال «حزب الله» في القصير؟». اللافت هو رجحان كفة الاستطلاع لمصلحة هذا التدخل كما تظهر نتائج التصويت (فاق 97%). لكنّ ذلك يأتي نتيجة الحشد الذي قام به الناشطون المؤيدون للحزب على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً موقع «قاوم» المقرّب من الحزب الذي عنون هذه الدعوة: «مارسيل من جديد... يرجى التصويت». ودعا الموقع الروّاد إلى التصويت بـ«نعم» بهدف «دحض كل ما يعمل عليه الإعلام المغرض من تظهير صورة جمهور «حزب الله» الرافض لأوامر قيادته». مشهد يدلّ على نجاح هذا الاستنفار والتجييش الذي أحدثه السؤال، لكنّه لا يعفي واضعيه من الدخول في السوق الاستغلالية التجارية التي تدرّ الأموال، خصوصاً إعلانات القطاع المصرفي.
الى جانب ذلك، تمثّل استطلاعات الرأي مركزاً يستقطب كثيرين من الناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي، وخصوصاً المنتديات التي تقيمها المواقع الإخبارية العربية المهمة.
هذه النقاشات والتعليقات تمثّل انعكاساً للرأي العام المنقسم في الموضوع السوري ومساندة الحزب للنظام. لكن مع ذلك، لا يمكن البناء عليها لأنها عشوائية وأغلبها يصبّ في الغوغائية، والاستعانة بمفردات التهكم والسباب، حتى إنّها تتحوّل الى حوارات شخصية عقيمة شعبوية في غالب الأحيان، ولا تعطي صورة حقيقية عن توجّه الرأي العام في مسألة محددة.
وبينما يسطع نجم مدينة القصير في الإعلام وتتحوّل إلى الدجاجة التي تبيض ذهباً رغم مأساوية الحدث، ترزح مدينة طرابلس (شمال لبنان) تحت التعتيم الإعلامي. المدينة التي تشهد اشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة وسط وقوع الضحايا والقذائف، يتلكّأ الإعلام المحلي عن نقل مشاهدها الدموية. يقتصر الأمر على الاكتفاء برسائل على الهواء تبثّ من حين إلى آخر، وفي النشرات الإخبارية، في وقت يطرح فيه السؤال الأبرز حول التلهّي بمعركة القصير (على أهميتها) وترك الداخل اللبناني يغلي شمالاً. صحيح أنّ الرابط بين الحدثين لا يمكن تفكيكه، إلا أنّ القصير أخذت الحيز الأبرز في وسائل الإعلام التي تتحكّم مجدداً في لعبة تسليط الأضواء على حدث وفق ميولها وخلفياتها السياسية، وتُغفل أحداثاً أخرى تمسّ الرأي العام على حدّ سواء.