حتى عيد الجلاء (17/4) انقسم عليه السوريون: المعارضة تريد تأجيل الاحتفاء به لغاية «جلاء» النظام الحاكم، والدولة تحشد إمكاناتها الإعلامية لتكريس الاحتفال باليوم الوطني. هكذا، خصصت المحطات السورية فواصل تخصّ المناسبة وافتتحت استوديواتها لضيوف يجيد بعضهم التطبيل والتزمير للنظام وأمجاده. بينما اختار الرئيس السوري بشار الأسد أن يطل في هذا اليوم تحديداً ليجري حواراً مع «الإخبارية السورية». المحطة التي أطلقت عام 2010 لتكون مستقلة (ممولة من الحكومة) خيّبت الآمال مراراً وسارت على خطى اللغة الرسمية المحنطة التي برع فيها الإعلام السوري. في حوارها مع الرئيس ليلة أول من أمس، أثبتت «الإخبارية» مجدداً أنّها مجرد جزء صغير من منظومة إعلامية تمضي وقتها في التسبيح بحمد
السلطة.

هكذا، ظهر المذيع حسين فياض برفقة زميلته ربى الحجلي مندهشين برؤية «سيد الوطن» شخصياً يجلس أمامهما بكامل وقاره وتواضعه المعهود، من دون أن تخفي المذيعة الحسناء علامات الإعجاب المتواصلة بكل كلمة يتلفظ بها، ولا كبح المذيع سروره وفرحه العارم في يومه التاريخي! لم تكلّف المحطة السورية خاطرها لتسجيل الحوار، ولو بشكل تمثيلي يقنع المشاهد بأنّه حوار مهني حقيقي يحمل إمكانية السجال والاختلاف ومحاولة إحراج الضيف، ولو كان رئيساً، وأنّ الحوار ليس مجرد أسئلة وضعها القصر الجمهوري وظهر مذيعا «الإخبارية» ليردداها على طريقة الببغاء المطيعة.
على سبيل المثال، ربما كان مؤيدو الرئيس سيتراقصون فرحاً لو تخلّت الحجلي عن إعجابها الشديد للحظات فقط، وسألت الأسد وهو يعيد الأسطوانة المكرورة التي يدعو فيها المعارضة إلى الحوار، عن مصير رئيس مكتب الشؤون الخارجية في «هيئة التنسيق الوطني» في دمشق المعارض عبد العزيز الخير ورفاقه الذين اعتقلهم الأمن السوري في أيلول (سبتمر) الماضي عند أول حاجز خارج أسوار مطار دمشق. وقد مضت شهور طويلة على اعتقالهم في فرع المخابرات الجوية من دون أن تعترف السلطات بوجودهم عندها. وكان من الأجدى بفياض الذي برع في كسب الرضى أن يتوقف عند اتهام الرئيس للمعارضين بأنّهم صاروا يتنقلون بطائرات خاصة ويقطنون في فنادق فخمة بعدما كانوا لا يملكون قوت يومهم، ويسأله عن حديثه شخصياً عن مواطنين سوريين كانوا يعيشون في بلاد يتزعمها، وهم على وشك أن يموتوا جوعاً كما أوحى. مرّ كل ذلك من دون أن يلتفت مذيعا الإخبارية إلى الدور الذي يفترض أن يؤديه الإعلامي في لقاءات وظروف استثنائية كتلك التي تشهدها الشام. طبعاً، لم تنسَ ربى الحجلي سؤال الرئيس السوري لكونه أباً عن الرسالة الذي يمكن أن يتوجه بها للآباء. هنا، استغل الرئيس السؤال وأتحف جمهوره بأنّه أب لثلاثة أطفال، لا خمسة كما روج عنه! كل ذلك مرّ وشعار «الإخبارية السورية» يحتل الفضائيات التي نقلت الحوار عنها مع الاستعجال في ترجمة تصريحات الأسد على شكل أخبار عاجلة.
بعض المحطات أخذت تنقل عبارات مجتزأة من كلام الرئيس، ثم راحت تنقل الكلام بطريقة غير دقيقة، وخصوصاً عندما قال إنّ سوريا غير متأكدة من وجود معسكرات لتدريب المسلحين في الأردن، لكنها متأكدة من تسهيل تهريب السلاح من الحدود الأردنية، فكان الخبر العاجل على «الميادين»: الأسد يؤكد وجود معسكرات تدريب في الأردن! وكالعادة، حوّلت «العربية» استوديواتها مرتعاً لجوقة الردح والشتم احتلها النائب أحمد فتفت الذي جير المناسبة للهجوم على «حزب الله».
من جانب آخر، اشتعلت صفحات مواقع التواصل، وخصوصاً الفايسبوك بـ«تهريجات» بائسة بثّها مناضلو العالم الافتراضي في محاولة إثبات الوجود عبر السخرية المبتذلة من كلام الأسد.