الذي تسنّى له مشاهدة حلقة الأسبوع الماضي من برنامج «بالجرم المشهود» (يعدّه وينفّذه رياض طوق) على Mtv، لا بدّ من أنّه انتبه إلى مجموعة من الانتهاكات في التعاطي مع بشر من لحم ودم خلال عمليات الدهم التي تنفذها القوى الأمنية بحضور كاميرات البرنامج وفريق إعداده. حتى الآن، قدّم البرنامج حلقات تنوعت خلالها عمليات الدهم. لكنّ معظمها دار حول قضايا المخدرات والدعارة والقرصنة الإلكترونية. ورغم أهميتها، تبدو قضايا ثانوية أمام ما يشهده البلد من تفلّت أمني فاضح، يصل إلى حد ظهور الشيخ أحمد الأسير بسلاحه أمام الكاميرات، مهدّداً بوصول «الدم إلى الركب». وحينما يستدعيه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر لسماع إفادته في المخفر، يصفه الأسير بالدجاجة!

بيد أنّ قوى الأمن باتت ــ كما التلفزيون ــ تحب السبق الصحافي (السكوب) والاستعراض. ولا يلام التلفزيون على طلبه هذا النوع من المواد التي تستقطب في الغالب نسبة مشاهدة عالية، لكنّه يلام طبعاً على كيفية تقديمها وعرضها، ومدى اعتماده المعايير المهنية والأخلاقية والقانونية في تناولها. أما قوى الأمن الداخلي، فبقبولها عرض عمليات الدهم على التلفزيون، فإنّها تنتهك أولاً مبدأ «سرية التحقيق» في «أصول المحاكمات الجزائية» الذي ينص حرفياً في المادة 53 على «أنّ التحقيقات الأولية التي يقوم بها الضابط العدلي بهدف جمع المعلومات حول الجريمة تتسم بالسرية ويمنع على المحامي حضور هذه التحقيقات والاستماع إلى أقوال المشتبه به»، فكيف بعرض هذه التحقيقات الأولية على شاشات التلفزة، بكامل التفاصيل القضائية، من ألفها إلى يائها؟
ولنبتعد قليلاً عن النقاش القانوني، ولنسأل معاً: لماذا نسمع دائماً، في حال وقوع جريمة أو حادث أمني، أنّ «القوى الأمنية ضربت طوقاً حول المكان ومنعت الإعلاميين من الاقتراب»؟ لماذا تتخذ القوى الأمنية هذا التدبير، المعروف، والمتلائم مع القوانين المرعية الإجراء، ثم تنقضه تماماً، إذ تستدعي كاميرات دون غيرها لتصوير عملية دهم أو جريمة «بالجرم المشهود»؟ ولماذا (وهذه أسئلة عامة وبديهية، لا بدّ من أن كثيرين يطرحونها) ترسل قوى الأمن الداخلي صوراً لبعض المعتقلين، عند إلقاء القبض عليهم، إلى المؤسسات الإعلامية بغية عرضها مع المضبوطات على الشاشة، والتشهير بهم علانية، فيما نقرأ ونسمع، غالباً، في وسائل الإعلام عن إلقاء القبض على متهمين لا يذكر الإعلام من أسمائهم سوى الأحرف الأولى، ولا نرى بالطبع صوراً لهم؟
لجأنا إلى استشارة قانونية من المحامية سارة هاشم التي شاهدت البرنامج، ورصدت معنا مجموعة من الانتهاكات، أبرزها لحقوق الإنسان. كيف يعرض البرنامج ــ حتى لو غطّى الوجوه ــ صور فتيات قاصرات وغير قاصرات، عاريات متلبسات وهنّ يمارسن الجنس في بيت دعارة بعد دهمه ونسمع أصواتهن الطبيعية مباشرة على الهواء؟ أليس الصوت بصمة ودليلاً على هويات الأشخاص؟ ثم كيف تسمح قوى الأمن الداخلي بأن يتصرف عناصرها بالعنف الذي نراه في البرنامج، مع الشخصيات التي تدهمها؟ ولماذا نسمع صوت «التوت» الذي يضعه القائمون على البرنامج لتغطية الشتائم الكثيرة التي يتلفظ بها عناصر قوى الأمن الداخلي خلال مخاطبتهم المتهمين؟
تعود هاشم إلى مقدمة الدستور اللبناني التي تنصّ على «عدم تعريض أي إنسان لأي نوع من أنواع العنف أو الإكراه باعتبار أنّ كل شخص بريء الى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له الضمانات الضرورية للدفاع». واستناداً إلى هذا النص، يمكن مشاهد البرنامج أن يعثر على عشرات الانتهاكات المهينة بحق المتهمين الذين ــ وإن كانوا مذنبين ــ لا يحق للتلفزيون أن يشهّر بهم إلى أن تثبت إدانتهم، ولا يكفي، بحسب هاشم، «إخفاء وجوههم، لأنّ أصواتهم معروفة لأقربائهم ومعارفهم، وهذا سيسبّب مشكلات كبيرة لهم، وسيؤدي إلى الحكم عليهم من محيطهم، قبل صدور حكم المحكمة».
في الأفلام الأميركية، عندما تلقي الشرطة القبض على مشتبه فيه، تتلو عليه حقوقه، فهل لدينا مثل هذه الحقوق في «أفلامنا» اللبنانية التي تعرضها Mtv؟ بالطبع هناك حقوق للمشتبه فيه في «الجريمة المشهودة» التي تنص عليها المادة 41 من أصول المحاكمات الجزائية، إذ يحق للضابط العدلي «أن يستجوب المشتبه فيه شرط أن يدلي بأقواله بإرادة واعية حرة ومن دون استعمال أي وجه من وجوه الإكراه ضده. إذا التزم الصمت، فلا يجوز إكراهه على الكلام». وهذا ما لا يحدث في البرنامج. لا مجال لإنكار عملية الإكراه التي تقوم بها القوى الأمنية لإجبار المتهمين على الكلام، وهذا يحدث مباشرة على الهواء، ويمكن العودة إلى الحلقات المتوافرة على اليوتيوب للتأكد منها.
هذه بعض الملاحظات التي يمكن «ضبطها» بالجرم المشهود على برنامج «بالجرم المشهود» الذي يظهر جهد القائمين عليه في سبيل إنجاحه. لكن البرامج المماثلة التي نشهدها في القنوات العالمية الأكثر احترافية، تعتمد على إعادة التمثيل، ومراعاة الأصول تفادياً للتشهير بأشخاص، أخطأوا، وارتكبوا، لكن القانون يحفظ لهم حقهم في الدفاع عن أنفسهم وعدم التشهير بهم، ومحاسبتهم مرتين: مرة في المحكمة، ومرة في التلفزيون!

«بالجرم المشهود»: كل ثلاثاء 20:45 على mtv