صنعاء | لم تُكتب نهاية هادئة للإعلامية اليمنية في قناة «عدن» جميلة جميل شبيهة بالحياة الوديعة التي عاشتها. هي التي اتخذت من «الاهتمام بقضايا الناس والمحبة والسلام» شعاراً لها ولحياتها على صفحتها الشخصية على فايسبوك. الموقع الذي كانت تحرص على نقل تفاصيل أشغالها الإعلامية ــ الإنسانية عبره. لكن يبدو أنّ الجميع تركها لمواجهة مصيرها بعدما كان عملها ملكاً للجميع، ليتم العثور عليها السبت الماضي ميتة في غرفتها في إحدى فنادق صنعاء. نشأت جميلة في بيت فني بامتياز؛ فوالدها الراحل جميل غانم أحد أشهر عازفي العود ومؤسس «معهد الفنون الجميلة» في عدن. بدأت خطوات النهاية في حياة الإعلامية اليمنية إثر دخول جماعة الحوثي وعلي عبد الله صالح إلى عدن، وإقفال القناة التي كانت تعمل لديها، قبل أن تنتقل إلى البث من الرياض. من هنا، انطلقت رحلة عذاب هذه المرأة هذه التي درست الحقوق قبل أن تقرر خوض غمار الإعلام. تخلّى عنها طاقم قناة «عدن»، ورحلوا جميعاً لتجد نفسها مع أطفالها في مواجهة حياة قاسية، بحسب بوست فايسبوكي نشرته قبل فترة. وصفت جميلة نفسها بأنّها «نازحة بلا بيت ولا مال»، تستجدي أموالها المحجوزة وشهادات أطفالها الدراسية التي تم حجزها أيضاً بسبب عدم قدرتها على دفع مستحقات مالية مترتبة عليها. وتابعت: «تركتها لمن باعوني، وسرقوا قناة عدن لكي تشتغل قناة الرياض». في إشارة إلى أنّ إدارة قناة «عدن» التي ذهبت إلى السعودية لتشغيلها من هناك. وصفت الراحلة هؤلاء بـ «مرتزقة الريال السعودي».
حوّلت المكالمة الهاتفية المسرّبة موتها إلى اغتيال
لكن الظاهر في المنشور نفسه قول إضافي يُفهم منه أنّه كانت لديها نيّة الرحيل إلى الرياض مع مَن رحلوا، لكنهم «استكثروا عليّ الشغل معهم». بناءً على ذلك، قرّرت جميلة الذهاب إلى صنعاء والعمل في قناة «عدن» التي أعادت جماعة الحوثي تشغيلها. وكان لواقعة وفاة جميلة أن تمر على نحو هادئ وطبيعي لولا تشريب مكالمة هاتفية بينها وبين محمد مارم، سكرتير الرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد وفاتها مباشرة. لم تستمر المكالمة أكثر من دقيقتين، ظهر خلالها عدم معرفة جميلة بشخصية المُتكلّم إلا بعد تعريفه عن نفسه. الأمر الذي يشير إلى أنّها المكالمة الأولى بينهما، وأنّ رقم المُتصل غير محفوظ على هاتف الإعلامية. مع العلم أنّ هناك احتمالاً بأن يكون الرقم خاصاً لا يظهر على شاشة هاتف المُتَصل به. وبمجرد معرفة جميلة بهوية المُتصل، سارعت إلى القول: «الآن تسألون عني؟». ما يشير إلى أنّها سبق أن طلبت المساعدة من دون فائدة. ولم تترك جميلة فرصة للمتحدّث لقول أي شيء، بل سارعت إلى نقل شكاواها، التي حاولت توصيلها إليه، بينها تلقيها شتائم «القاعدة»، كانت الرئاسة على علم بها. وأنهت جميلة جميل المكالمة بأنّها لا تريد الحديث مع مارم أو مقابلة أيّ أحد من الجهة التي يمثلها، مؤكدةً أنّه «من قصف وطنه وباع وطنه سيبيع كل حاجة». هكذا، يبرز سؤال أساسي: من المستفيد من نشر تسجيل المكالمة التي يبدو حصولها بعد قدوم جميلة إلى صنعاء، وبّثها في هذا التوقيت تحديداً؟ حوّلت المكالمة وفاة الإعلامية اليمنية من حالة طبيعية إلى واقعة اغتيال، إثر قرارها البقاء في العاصمة اليمنية، وعدم التعامل مجدداً مع الجهات التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي. لكن مع ذلك، يبقى سؤال حول عملية اغتيال مذيعة لم تكن على ارتباط وثيق بالسياسية، بل مكتفية غالباً بالقضايا الاجتماعية. فهل يمكن اعتبار أنّ القتل حدث لمجرّد أن تكسب جهة ما نقطة ضد جهة أخرى، واستثمارها لصالحها. لا يبدو أنّ هناك إجابات مُتاحة على هذه الأسئلة، وسط جحيم القتل اليومي الذي صار يحيط باليمنيين كافة، وعلى نحو يبدو أنه لن يتوقف قريباً.