«حيف يا عيناتا يطلع من أرضك صهيوني». هتاف يزداد صدحاً على مرّ الأجيال في البلدة التي تساند مارون الرأس وبنت جبيل وعيترون عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة. صداه يطغى على الأصوات المطالبة بنزع سلاح المقاومة. وها هي عيناتا تروي قصص العدوان الإسرائيلي والتصدي له على مر الأزمان والمقاومة (ات).
هزائم العدو المتلاحقة على مذبح عيناتا، دفعه إلى الانتقام منها، حتى من مقابرها. وكما قصف في عدوان تموز 2006 مقابر الشهداء، أغار أول من أمس على روضة شهداء «تموز 2006». كررت إسرائيل شهادة 45 شهيداً، بينهم 18 عجوزاً وسيدة وطفلاً استشهدوا في المجزرة التي عرفت بـ «الملجأ» في 27 تموز (يوليو) 2006، إضافة إلى 14 مقاوماً استشهدوا خلال مواجهات عيناتا لصد محاولات إسرائيل بالدخول إليها. لم يعد لمروان سمحات شاهد رخام يدل عليه. لكنّ طيفه في اصطياد جنود العدو لا يزال يروى في كل بيت. ولم يعد لزيد حيدر أو محمد سمحات قبر يزوره الأهل. لكنهم كلما نظروا إلى تلة مسعود ومارون الرأس المقابلة، سيرونهما مساهمين في مجزرة دبابات الميركافا. تدمير روضة شهداء «تموز 2006»، لن يمحي مجازر إسرائيل وهزائمها على أرض عيناتا. تاريخ حاضرة جبل عامل طويل مع الصهاينة. إذ إن الكثير من عائلاتها توارثت المقاومة والشهادة كما توارثت الأرض والرزق، منهم آل أيوب. في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2000، عاد عبد الله النمر إلى عيناتا بعد تأخير دام خمسة عشر عاماً. بعد تحرير بلدته بخمسة أشهر، نقلت رفاته من طيردبا (قضاء صور) حيث دفن بعد استشهاده في عملية لـ «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» ضد دورية للاحتلال الإسرائيلي في بيت ليف (قضاء بنت جبيل) في 26 أيلول (سبتمبر) 1985. نام النمر في قبره فيما انتشر ذكره في البلدة بعد تسمية شارع باسمه، تخليداً لدوره المقاوم. بالتزامن، عاد كامل أيوب أيضاً، رفيق النمر ومؤسس خلية الجبهة في عيناتا. وجد بأن تحرير الجنوب سبب كافٍ لإنهاء اغترابه الأفريقي، الذي بدأه منذ نهاية الثمانينيات وبعد انحسار العمل العسكري للجبهة وللحزب الشيوعي اللبناني. عاد أيوب إلى عيناتا ليعيد تشكيل مقاومته الخاصة ضد إسرائيل، ثقافياً واجتماعياً وزراعياً في زمن التحرير. وعندما اقترب الخطر مجدداً، امتشق سلاحه حتى استشهد أول من أمس جراء الغارات التي استهدفت عيناتا. حمل سنواته الأربع والستين وتراكم خبرته العسكرية ونثرها بين جيل عيناتا الجديد من المقاومين ومنهم ابن شقيقه مازن أيوب الذي سبقه إلى الشهادة يوم السبت الماضي. وسام شهادة كامل ومازن الذي علق على صدر آل أيوب، أضيف إلى أوسمة شهادة والد مازن، جميل أيوب، في مواجهات عيناتا في تموز 2006، وشهادة سميرة، شقيقة جميل وكامل، مع حفيداتها الثلاث باستهداف سيارتهن قبل عام على طريق عيناتا. أوسمة تلألأت في فيء شهيد عيناتا الأول في مواجهة إسرائيل: علي أيوب عام 1972.
في حديث إلى «الأخبار»، استعرض الصحافي سمير أيوب، فصولاً من تجربة شقيقه كامل التي توجت بالنهاية اللائقة. «نشأنا في كنف والدي الفلاح عبد الحسين أيوب الذي كان يحمل المؤن والحاجيات للفدائيين الفلسطينيين وكان يشارك في التظاهرات الوطنية والمطلبية وانتفاضة مزارعي التبغ. أما كامل، فقد تأثر بشكل خاص بشهادة علي أيوب، من «منظمة الحرس الشعبي» و«قوات الأنصار»، الذي تصدى لقوة معادية حاولت اقتحام البلدة. تقرب من الفدائيين وانضوى في الحزب الشيوعي حتى صار مشاركاً في نوبات حرس عيناتا مع شبان من عكار وبيروت والجبل والجنوب». عند الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، هجر كامل وسمير والأهالي راجلين. في صور، انفصل عن أسرته، ملتحقاً بالمقاومين ومنتقلاً إلى صيدا حيث أكمل دراسته المهنية وشارك في التصدي للاجتياح الإسرائيلي عام 1982 مع رفيقه الشهيد عمار قوصان. مع الشهيد عبدالله النمر وآخرين، قرر نقل المقاومة إلى عيناتا. الخلية التي أسّسها، أسهمت في عمليات عدة لجبهة المقاومة منها تفجير إذاعة «صوت الأمل» في مارون الرأس عام 1985. في عدوان 2006، دمر منزله ومنزل والديه. وفي العدوان الحالي، دمر منزله في «العقبة» مجدداً. أكثر ما أسف له، المقتنيات التي جمعها من أثر شقيقته سميرة وحفيداتها وعلقها في خزانة عند مدخل البيت كمزار يزار. استكمل أيوب مقاومته مع «حزب الله» متخطياً الفروقات العقائدية. تحول اسمه الحركي من «المختار» في زمن الجبهة إلى «جواد» في زمن المقاومة الإسلامية. لكنه لم يشعر بالازدواجية. «قتال إسرائيل يوحّد الأمم جمعاء» كما كان يقول. فالهدف معجل مكرر بألا «يدخل صهيوني إلى أرض عيناتا». هدف كامل أيوب الذي ورثه عن علي أيوب الذي قال يوم استشهاده قبل 52 عاماً: «ما رح يفوتوا إلا على جثثنا».