في مناسبة اليوم العالمي لحرّية الصحافة (3 أيار/ مايو)، احتضن مكتب الـيونسكو الإقليمي في بيروت مؤتمراً على مدى يومَين، أقامته اليونسكو بالتعاون مع وزارة الإعلام اللبنانية و«مركز الخليج لحقوق الإنسان»، وحضره بعض الصحافيّين والإعلاميّين والنشطاء الحقوقيّين في لبنان والعالم العربي، متناولين التحدّيات التي يواجهونها خلال تأدية مهمّتهم، وطرق تطوير المهنة وممارستها بحرّية وعلى أكمل وجه، بالإضافة إلى المصاعب التي تواجهها الصحافة وحرّية التعبير بشكل عام في يومنا هذا وتأثير المال والأنظمة. كما حضر طلّاب الإعلام الذين استمعوا إلى النقاشات ووجّهوا الأسئلة. وكانت هناك إضاءة على تأثير حرّية الصحافة بالنسبة إلى النساء والفئات المهمّشة. المؤتمر الذي رفع شعار «تشكيل مستقبل للحقوق: حرّية التعبير كمحرّك لجميع حقوق الإنسان الأخرى»، لم يأتِ بجديد، فغالبية ما قيل بات يمكن وصفه بالأسطوانة المشروخة بعد سنوات من تكراره من دون ترجمة ملموسة على أرض الواقع، إلا أنّ مؤتمرات مماثلة تبقى مهمّة وقيامها أفضل من عدمه، خصوصاً في ظلّ الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد، والتضييق الذي يزداد عالميّاً على حرّية التعبير بشكل عام. صحيح أنّ الأفكار المتداولة كانت بغالبها تتناسق مع اللغة المعتمدة من الأمم المتّحدة وما يسمّى «المجتمع الدولي»، لكنّ المؤتمر لم يخلُ من تعدّد الآراء، حيث تمّ الكلام علناً عن ممارسات ضدّ حرّية الصحافة لم تكن تحصل على الاهتمام الكافي سابقاً.

محمد سباعنة ـ غزة

افتَتح المؤتمر صباح الأربعاء الماضي، كلّ من وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، ومديرة المكتب الإقليمي في بيروت كوستانزا فارينا، والمنسّقة الخاصّة للأمم المتحدة في لبنان جوانا ورونيكا، وأدارت النقاش الإعلامية نبيلة عوّاد. تمّ التطرّق إلى حرّية الصحافة في لبنان بشكل خاصّ والعالم، وأهمّية صونها والمحافظة على المبادئ المهنية. شكر الوزير المكاري كلّ العاملين في الصحافة على أنواعها، مذكّراً بقضيّة المصوّر اللبناني سمير كسّاب الذي اختُطف في سوريا عام 2013 أثناء قيامه بعمله، وبأنّ وزارته أطلقت سابقاً «جائزة سمير كسّاب للتصوير» في مناسبة اليوم العالمي لحرّية الصحافة، كما دعا المجتمع الدولي إلى المساهمة في الكشف عن مصير المصوّر. وقال المكاري: «ثلاثة عقود مرّت على إعلان الجمعية العمومية للأمم المتحدة تاريخ الثالث من أيّار يوماً عالميّاً لحرّية الصحافة، بناءً على توصية المؤتمر العام لليونسكو عام 1991، وما زلنا منذ ذلك الوقت نطمح إلى الحفاظ على حرّية هذه الصحافة واستقلاليتها وتعدّديتها، وما زال الصحافيون في مختلف أنحاء العالم وبنسب متفاوتة، يتعرّضون للقمع والضغط والقتل والابتزاز والتحرّش والخطف والهجمات الإلكترونية وغيرها من أدوات كمّ الأفواه وإسكات الكلمة الحرّة. إلا أنّه على الرغم من كلّ التضحيات والمشقّات والعوائق، ما زالت الصحافة الحرّة تدافع عن حقوق المجتمع، فهي صوت الناس العاديّين، وهي صوت الحقّ في وجه الظالم». ودعا المكاري إلى إقرار قوانين تحمي حرّية الصحافة وسلامة الصحافيين، كاشفاً أنّه عمل بالتعاون مع مكتب اليونسكو على صياغة جديدة لقانون إعلام عصري. وأردف بأنّه رغم أنّ «لبنان يمرّ بأزمات اقتصادية واجتماعية وبيئية ومؤسساتية خانقة، إلّا أنّني كمواطن لبناني بالدرجة الأولى أفتخر بأنّ بلدنا ما زال يتمتّع إلى حدّ كبير بنعمة حرية التعبير، وهي العمود الفقري للصحافة».
أمّا جوانا ورونيكا، فتحدّثت عن الدور التاريخي للإعلام اللبناني والانفتاح الذي يتمتّع به البلد إعلاميّاً بالمقارنة مع بلدان الجوار، وعن ضرورة العمل على الحفاظ على هذا التمايز ومواجهة التحدّيات التي تهدّد بقاءَه. وقالت إنّ وزارة الإعلام واليونسكو اقترحتا نسخة جديدة محسّنة من قانون الإعلام في لبنان تهدف إلى تعزيز المشهد الإعلامي، بما يتماشى مع المعايير الدولية ويضمن حرّية التعبير وحماية الصحافيين. ولم تنسَ ورونيكا تكرار معزوفة «الإصلاحات» المطلوبة من لبنان ومطالبة حكومته بتطبيقها في أسرع وقت. كما اعتبرت وسائلَ الإعلام شريكاً مهمّاً للأمم المتّحدة «في الترويج للأولويّات العالمية، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة التي توفّر آفاقاً لعالم أكثر ازدهاراً».
في حوار تالٍ أدارته أيضاً الإعلامية نبيلة عوّاد، تحدّث الإعلامي سامي كليب عن المشهد الإقليمي لحرّية التعبير والوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت وخارجه وتحدّياتها من منظور حقوق الإنسان. وأدارت منسّقة الاتّصال السياسي في كلّية الحقوق والعلوم السياسية في «جامعة سيّدة اللويزة» ربى الحلو، حواراً لاحقاً دار حول التحدّيات الرئيسية لحرّية التعبير في المنطقة واستكشاف الإجراءات الممكنة وأفضل الممارسات في التعامل معها. تكلّم هنا كلّ من عضو اللجنة التنفيذية للاتّحاد الدولي للصحافيين وعضو مجلس نقابة الصحافة اللبنانية علي يوسف، وممثّلة «مؤسَّسة سمير قصير» وداد جربوع، ومؤسِّسة ومديرة منظّمة «مدرج» الأردنية روان جيوسي، والصحافية والحقوقية اليمنية نور سريب. تناول المتحدّثون الصعوبات التي تواجههم كلّ في بلده. بالنسبة إلى لبنان مثلاً، كان التركيز على القضاء والاستدعاءات التي تطال صحافيّين وتكليف محاكم غير مختصّة بالنظر في قضاياهم، أمّا بالنسبة إلى الأردن فكان الحديث عن صعوبة التحرّر من قيود الدولة، فيما في اليمن يصعب انتقاد الجهة التي تسيطر على المنطقة حيث يتواجد الصحافي.
تحت عنوان «حرّية التعبير حجر الزاوية لسلامة الإنسان والحقّ في الحياة»، أدارت الصحافية ونقيبة العاملين في الإعلام المرئي والمسموع في لبنان رندلى جبّور حواراً تمحور حول المخاطر المختلفة التي يمرّ بها الصحافيون والناشطون عبر الإنترنت وخارجه وحقّهم بضمان سلامتهم. شارك في الحوار كلّ من عضو اللجنة الوطنية لحماية الصحافيين في العراق مي رحّال، والشريكة المؤسِّسة والمحرّرة في موقع «درج» عليا إبراهيم، وقاضي محكمة الاستئناف في تونس عمر الوسلاتي، ورئيس وحدة الديموقراطية وحقوق الإنسان في وزارة الداخلية الفلسطينية هيثم عرار. وتمّ التطرّق إلى «الشهداء» من الصحافيّين، خصوصاً الذين سقطوا بنيران المنظّمات الإرهابية في العراق وجيش الاحتلال في فلسطين المحتلّة، كما إلى التضييق على الصحافيّين الفلسطينيّين، وتأثير القضاء على حرّية التعبير في كلّ من لبنان وتونس.
الحوار الأخير ليوم الأربعاء أدارته منسّقة الاتّصال والمعلومات في اليونسكو في رام الله هالة طنّوس، ناقش تأثير القيود المفروضة على حقوق الإنسان على حرّيات الصحافة والتعبير والوصول إلى المعلومات، كما دور المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظّمات في حماية تلك الحقوق، ألقى الضوء على اتّفاقيات وقوانين أساسية تسهّل دورهم. وشارك في الحوار كلّ من مسؤول الاتّصال في الهيئة المستقلّة لحقوق الإنسان في فلسطين مجيد صوالحة، ورئيسة تحرير وكالة الأنباء المركزية اللبنانية نجوى أبي حيدر، ومسؤول حقوق الإنسان في مكتب المفوّضية السامية لحقوق الإنسان علاء قاعود، ونائب مدير معهد التدريب الإعلامي في العراق حسن عابد راضي الفريجي.
الأفكار المتداولة كانت بغالبها تتناسق مع اللغة المعتمدة من الأمم المتّحدة وما يسمّى «المجتمع الدولي»


افتُتح يوم الخميس بنقاش أدارته اختصاصية التواصل الاجتماعي ندى حمزة، دار حول دور حرّية الصحافة في ضمان الوصول إلى المعلومات الموثوقة على الإنترنت، كجزء من حقوق الإنسان، مع مراعاة حماية البيانات والخصوصية. وشارك في النقاش كلّ من المدير التنفيذي لمنظّمة «سمكس» اللبنانية محمّد نجم، والمدير التنفيذي لـ«مركز الخليج لحقوق الإنسان» خالد إبراهيم، ومديرة المحتوى الرقمي في موقع «النهار» ديانا سكيني، ومؤسّس منظّمة «شوارع مصر» محمّد خيرت. أمّا الجلسة الأخيرة، فتولّت إدارتها الإعلامية راشيل كرم، وتطرّقت إلى تأثير حرّية الصحافة على النساء والفئات الضعيفة من منظور الثقافة والاجتماع والاقتصاد والسلامة، وشارك فيها كلّ من رئيسة شركة FiftyFiftylb اللبنانية جويل بو فرحات، ومديرة «المركز الإعلامي لذوي الإعاقة» في اليمن دارس البعداني، ومستشارة النشر في «رصيف 22» إيناس خنسه، ورئيس التحرير في «قناة فرنسا الدولية» محمّد شمّا.
هكذا إذاً، انتهى يوم حرّية الصحافة وانتهى معه المؤتمر، وعاد كلّ إلى مربّعه، ووُضعت حرّية الصحافة والتعبير في الجارور حتى العام المقبل. حتّى التغطية الإعلامية كانت هزيلة، لا للمؤتمر فحسب بل لليوم بأكمله بما يمثّل، واقتصر تناوله على نقل حدث المؤتمر بتقارير قصيرة في أواخر نشرات الأخبار لم تقترب من الكلام عن مبدأ حرّية الصحافة لا من قريب ولا من بعيد، علماً أنّ الأمر انسحب على الإعلام العربي والعالمي لا اللبناني فقط. فإذا لم تعِر الصحافة نفسها اهتماماً لحرّيتها، مَن الذي سيفعل؟ على أيّ حال، وكما سبق ذكره، وجود المؤتمر كان أفضل من عدمه، ومن إيجابيّاته أنّه ثبّت لبيروت دورها التاريخي في مجال الصحافة وحرّيتها.