اشتهر السيناريست الفلسطيني السوري هاني السعدي بمسلسلاته التاريخية، الفانتازية/ الخيالية مثل «الجوارح» وجزأيه «الكواسر» و«البواسل» (كلها من إخراج نجدت إسماعيل أنزور) والواقعية مثل «الموت القادم من الشرق»، و«آخر الفرسان» و«غضب الصحراء» و«صراع على المال». يعود السعدي بعد غياب سنوات إلى هذا النوع من المسلسلات التي امتازت بلغتها العربية الفصحى، وأزيائها، ومشاهد القتال بالسيوف والأدوات التاريخية المناسبة لتلك الحقبة، ناهيك بالسحر والشعوذة. يأتي مسلسل «فرسان الظلام» بجزئه الأوّل «ذئاب الليل» (إخراج سامي جنادي وإنتاج منصة «تود» ويعرض عليها) محاولاً تقديم قصة خيالية ممتعة شبيهة بمسلسلات «صراع العروش» وسواها التي عرفها الوطن العربي وأثرت به.
مهيار خضّور في مسلسل «فرسان الظلام 1»

قصّة المسلسل تبدأ مع «النهشل» أو «أبا الحكم» (سلوم حدّاد) المشعوذ القوي الذي تزين وجهه الوشوم، والراغب في حكم البلاد، وأمير البلاد القاسم بن المثنّى (عمر العلي) الذي تتعرّض مدينته «ريحان» لهجمات متكررة من عصابات من اللصوص، فيما «أواس» أو «أبو الدهماء» (مهيار خضّور) أحد رجال العصابات المشهورين، دخل البلاد تحت غطاء من «أبا الحكم» الذي يريد استخدامه لا للسيطرة على البلاد بالقوة، بل للوصول إلى الكرسي برضى الناس. على جانب آخر، هناك زيد (لجين إسماعيل) صانع الأسلحة والبطل الشعبي من مدينة «السرادق». تمزج القصة بين قصتَي حب: الأولى تجمع سلمى (رشا إبراهيم) الفتاة الطيبة والشجاعة التي يفتن بها أبو الدهماء ولكنها ترفض الزواج منه. أما الثانية، فتجمع زيد وشيماء (علا سعيد) التي تحبه لكنه لا يعطيها الكثير من وقته واهتمامه بسبب فارق السن بينهما. تستعر الصراعات الخفية، وخصوصاً مع الدسائس والمؤامرات التي يحيكها «النهشل» للسيطرة على الإمارة ومدنها.
إحدى نقاط قوّة المسلسل هو سلوم حدّاد الذي يطلّ أيضاً في أكثر من مسلسل هذا العام مثل «خريف العمر» (إخراج المثنى صبح، وكتابة حسام شرباتي) و«العربجي» (إخراج سيف الدين سبيعي وكتابة عثمان جحا). حداد أحد أفضل المؤدين العرب، يستخدم التقنية الستانسلافسكية في تقديم الشخصيات، فضلاً عن الـ method actor، فيتقمّص الشخصية التي يؤديها. بدوره، نضج لجين إسماعيل كثيراً منذ ظهوره الأول في الدراما السورية. يقدّم هنا شخصيةً كلاسيكية تذكّر بشخصية الشاطر حسن وعلي بابا: مهذب، لطيف، أخلاقي، عائلي، شجاع ويحب عمله فوق كل شيء. مهيار خضّور بدوره يبذل جهداً كبيراً في تقديم شخصية «أبو الدهماء» زعيم إحدى العصابات، لناحية القسوة، والتسلّط، والشخصية المختلفة التي لا تمشي على القانون. رشا إبراهيم حاولت تقديم شخصية واقعية وحقيقية للفتاة سلمى التي فتن بها «أبو الدهماء»، خصوصاً لناحية صدقيتها في الأداء. في الوقت نفسه، نجح غسان عزب في تقديم صورة الأب الضعيف والد «سلمى» التي لا ترغب في الزواج من «أبو الدهماء». علماً أنّ العمل يضمّ عدداً هائلاً من النجوم المعروفين مثل نادين خوري، علي العلي، زيناتي قدسية، رنا جمول، محمود خليلي، هناء نصّور...
اللغة الفصحى منحت العمل أيضاً خصوصية، إلى جانب الثياب الجميلة، وقد بذلت مصممة أزياء المسلسل ناهد العلي جهداً كبيراً في إعطاء كل شخصية أزياء تناسبها معتمدةً على مناخ تلك المرحلة كجلود الحيوانات، وصوف الخرفان وهكذا لأكثر من 150 شخصية مختلفة. الأمر نفسه ينسحب على مصمم المكياج عماد طيبة من خلال اهتمامه بأشكال الممثلين؛ كذلك يُحسب لمهندس ديكور العمل أدهم مناوي أنه بنى معظم ديكورات المسلسل. يذكر أن الموسيقي السوري المعروف طاهر ماملّي قد أنجز تترات المسلسل وموسيقاه التصويرية، ما زاد من نقاط قوة العمل. من جهته، مزج المخرج سامي الجنادي بين المتخيّل والتاريخي والفانتازي في جو منطقي، فضلاً عن قصةٍ مسبوكة من السيناريست السعدي، وإن كانت كلاسيكية بعض الشيء ومباشرة إلى حدٍ كبير مقارنةً بمثيلاتها من المسلسلات الأميركية أو الغربية. ويمكن القول بأن الجنادي قد نجح في إدارة المجاميع (من الممثلين) خصوصاً في مشاهد القتال بالأسلحة البيضاء، والسيوف وسواهما، فبدت إلى حدٍ ما منطقية. كذلك نجح السعدي في أن يأخذ من التاريخ العربي _ وإن بتصرفٍ شديد_ الكثير من الملامح لناحية الأسماء والأماكن وحتى العادات والسلوكيات. عمل فانتازي تاريخي قد يكون له جمهوره كما كان في السابق، فيه الكثير من الجهد سواء لناحية التمثيل، الديكور، الأزياء، الموسيقى وبالتأكيد الكتابة والإخراج، وهو لمّا يزال في الجزء الأوّل منه، فيما يعد الجزء الثاني منه بالكثير. النقطة الوحيدة التي قد تقف حائلاً دون النجاح الكبير هو مقارنته بالأعمال الغربية المشابهة.

* «ذئاب الليل»: س:21:00 مساء على قناة «بي. إن دراما» ومنصّة «تود»