مرّت 30 عاماً على صدور Super Mario Bros، أوّل فيلم يستند إلى لعبة فيديو. المحصّلة جاءت مخيّبة للآمال، فيما لم تسجّل التجارب المشابهة التي أعقبت هذا الشريط نتائج أفضل: أفلام Uncharted (عام 2022) وPrince of Persia: The Sands of Time (عام 2010) وAssassin›s Creed (عام 2016) و«بوكيمون» وMortal Kombat في أعوام 1995 و1997 و2021... لائحة ألعاب الفيديو الشهيرة التي استحالت أعمالاً سينمائية مخيّبة للآمال قد تطول جدّاً.يشكّل اقتباس لعبة فيديو في فيلم أو مسلسل تلفزيوني مهمّة صعبة، لا يُكتب لها النجاح غالباً، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات (مسلسل The Witcher على نتفليكس مثلاً). وبحسب قائمة جمعها موقع «بوكس أوفيس موجو»، فإنّ خمسة أفلام فقط من هذا النوع تجاوزت بإيراداتها 400 مليون دولار أميركي في جميع أنحاء العالم، وأهمّها «ووركرافت» (2016 ــ 439 مليون دولار) الذي يحتل المركز 288 في تصنيف أهم الأفلام على الإطلاق. فمن «لارا كروفت توم رايدر» (2001) إلى «سونيك ذا هيدهوغ» في عام 2020 (وجزئه الثاني عام 2022)، مروراً بـ «ريزيدنت إيفل»، وأخيراً سلسلة الرسوم المتحرّكة «أركاين» على نتفليكس المستوحاة من لعبة «ليغ أوف ليدجندز» والتي حصدت جوائز «إيمي» (2022)... النجاحات في هذا الإطار نادرة نوعاً ما.
لذلك، عندما أعلنت شركة تطوير ألعاب الفيديو «نوتي دوغ» أنّ The Last Of Us ستحصل على معالجة تلفزيونية من توقيع HBO، أبدى كثيرون تخوّفهم. وبقي الحذر سيّد الموقف، إلى أنّ أفرجت الشبكة الأميركية عن الحلقة الأولى في 15 كانون الثاني (يناير) الحالي. حالما بدأ عرض مسلسل المغامرات التشويقي المؤلّف من تسع حلقات (بمعدّل حلقة أسبوعياً)، اتضح أنّه سيقلب المعادلة. إذ يبدو أنّ العمل الذي تدور أحداثه في عالم منكوب بكارثة كبرى، سيغيّر الصورة السائدة. مع أصداء إيجابية جداً، سجّل العمل أرقاماً غير مسبوقة، إذ حقّق نسبة 99 في المئة على موقع «روتن تومايتوز» للتقييمات من قبل النقّاد، و96 في المئة من قبل جمهور الموقع. وأجمع نقّاد الموقع على أنّ The Last of Us «أفضل اقتباس من ألعاب الفيديو على الإطلاق»، معتبرين أنّ حسن اختيار الممثلين والكتابة الذكية واحترام الموضوع الأصلي، جعلته «أوّل مسلسل يجب مشاهدته لعام 2023».
كما منح جمهور قاعدة بيانات الأفلام الإلكترونية IMDb علامة 9.6 من 10، فيما أعطت نسبة 74 في المئة منهم العلامة الكاملة. هكذا، يسير هذا المسلسل بخطوات ثابتة باتجاه تحقيق أوّل نجاح خلال العام على منصات البث التدفقي، بعد عشر سنوات من طرح لعبة الفيديو ذائعة الصيت على «بلاي ستايشن».
حرص القائمون على المسلسل على أن تكون قصّته التي أعدّها للشاشة أحد مؤلّفي العمل، نيل دراكمان وكريغ مازن (تشيرنوبيل ــ HBO)، وفية لأجواء اللعبة التي تتبّع الثنائي «جويل»، وهو مهرب يعيش نكبة بسبب مأساة تعرّض لها، والمراهقة «إيل» التي يتعيّن عليه حمايتها، في أمل أخير لعالم بات على طريق الزوال بسبب تفشي فيروس وتنتشر فيه كائنات الزومبي. تجري الأحداث في أميركا منكوبة بعد كارثة كبرى، ترزح تحت ديكتاتورية عسكرية.
إلى جانب الوفاء للحبكة الأصلية، تتمثّل إحدى نقاط القوّة أيضاً بالأبطال. فالممثل الذي يؤدي دور «جويل» هو التشيلي بيدرو باسكال، الشرطي في مسلسل «ناركوس» (نتفليكس) وأحد الممثلين المشاركين في سلسلة الفانتازيا الشهيرة «صراع العروش» (HBO) وفي «ماندالوريان» (ديزني بلاس). أما «إيل»، فتلعبها بيلا رامزي (19 عاماً) التي اشتهرت بشخصية «ليانا مورمنت» في «صراع العروش». وهي الطفلة القيادية المحبوبة التي عُرفت بجرأتها وشجاعتها ونهايتها البطولية. ما يجعل لعبة فيديو مسلية، لا يسري بالضرورة على فيلم أو مسلسل ترفيهي، والعكس صحيح. إلّا أنّ قصة مسلسل HBO الجديد مستوحاة من نوع ذي شعبية حتى خارج إطار ألعاب الفيديو، كما أن الشخصيات مقنعة.
أحداث المسلسل الجديد تدور حول عالم ما بعد فيروس حوّل الناس إلى وحوش، ما عدا أناس قلائل، من بينهم طفلة قد تكون مفتاح إنقاذ البشرية، لذا يشرف بطل على أخذها عبر البلاد للمساعدة في إيصالها إلى خبراء يستخرجون منها العلاج. ويواجه الطرفان في رحلتهما كائنات الـ «بلوتر»، وهي وحوش مرعبة قوية تشكلت من مراحل متقدمة من إصابة الدماغ. على صعيد متصل، يأتي الكشف عن المسلسل الجديد في وقت تواجه فيه منصّة الـ «ستريمينغ» HBO Max، التي أعلنت للتوّ عن زيادة أسعار الاشتراكات في الولايات المتحدة (من 14.99 دولار إلى 15.99 دولار للاشتراك الشهري بدون إعلانات)، تحديات كبيرة. فعلى الرغم من أنّها تظلّ «مرجعاً» على صعيد المسلسلات الأصلية، لكنّ شركتها الأم، «وورنر براذرز ديسكوفري»، على مفترق طرق «على صعيد الأموال التي ترغب في إنفاقها على المشاريع»، بحسب ما يقول لوكالة «فرانس برس» المحلل لدى «تي في ريف» جون كاسيلو.
في غضون ذلك، يبدو لافتاً أنّ القائمين على المشاريع المقتبسة من الـ video games باتوا يركّزون اليوم على التلفزيون أكثر من السينما. وهو ما يثبته استعراض سريع للأعمال التي وضعت قيد الإنجاز أو اقتربت من العرض. ضمن هذه الموجة الآخذة في الاتساع، تتجه الأنظار نحو عناوين عدّة، من بينها مسلسل جديد مستوحى من لعبة «سوبر ماريو» وجزء ثالث من «سونيك»، بالإضافة إلى فيلم سينمائي مقتبس من لعبة «غران توريسمو»، وسلسلة الـ live-action «إله الحرب» (برايم فيديو)، وTwisted Metal (بيكوك)، وHorizon Zero Dawn (نتفليكس)، و«شبح تسوشيما»... التدفّق المفاجئ للمشاريع التلفزيونية المستندة إلى ألعاب الفيديو هو نتيجة مباشرة للفورة التي يشهدها العالم على صعيد البثّ التدفّقي واستعار المنافسة. في إطار محاولتها لمواكبة نتفليكس وديزني بلاس وأخواتهما، تصوّب الشبكات التلفزيونية وخدمات الـ «ستريمينغ» الأقل نجاحاً أو الأصغر حجماً اهتمامها باتجاه ألعاب فيديو شهيرة كمصدر لمحتوى جديد. مكامن الجاذبية واضحة: إلى جانب قواعد المعجبين الواسعة، يقدّم The Last of Us مثلاً سرداً قصصياً من النوع المرغوب فيه جماهيرياً. علاوة على ذلك، معايير الإنتاج المعتمدة من قبل هذه الجهات تعتبر جيّدة بما يكفي لإنصاف النسخ التلفزيونية ولكن من دون المخاطر المالية نفسها التي تفرضها المشاريع ذات الميزانيات الضخمة، خصوصاً على الشاشة الكبيرة. وهذا بدوره يمكّنها من تجنّب الاختلافات الإبداعية التي أدّت إلى بقاء فيلم Uncharted (سوني) طيّ النسيان لمدة عقد من الزمن، على سبيل المثال.
مسلسل جديد مستوحى من لعبة «سوبر ماريو» وجزء ثالث من «سونيك» وغيرهما من المشاريع


الكلفة هي عامل آخر يقود ألعاب الفيديو إلى التلفزيون أخيراً. من بين أفلام ألعاب الفيديو الحديثة، Sonic the Hedgehog وTomb Raider فقط سيحصلان على تتمّات. ولم يكن أيّ من الفيلمين ليحقق نتائج جيدة ما لم تُحصر ميزانيّة كلّ منهما بين 90 و100 مليون دولار (على عكس «المحقق بيكاتشو» الذي كلّف 150 مليون دولار). للأسباب نفسها، هناك الكثير من الشك حول قدرة Uncharted على التحوّل إلى سلسلة كما تأمل «سوني»، حتى مع طوم هولاند بطلاً في دور «ناثان رديك». بدوره، سيختبر المخرج بول أندرسون المياه ليرى ما إذا كان لا يزال هناك سوق لأفلام ألعاب الفيديو ذات الميزانيات المتواضعة (في سياق أفلام Resident Evil) مع فيلم Monster Hunter المقبل. ولكن حتى ذلك الحين لا يزال الأمر بعيد المنال. هكذا، يبقى التلفزيون حالياً وسيلة أكثر أماناً مع وعود بمكافآت أفضل لألعاب الفيديو.