ما لبث أن انتهى عرض الحلقة الأولى من برنامج «تعا قلّو بيزعل» الخميس الفائت، حتّى أثار حملةً على مواقع التواصل الاجتماعي امتدّت لأيّام. السبب كان عرض اسكتش مثّل فيه محمد دايخ دور الأستاذ الذي يعلّم تلاميذه «اللغة الشيعية»، مع تقصّد إبرازهم على أنّهم من طوائف مختلفة. تطوّر الأمر من السخرية من «اللكنة الشيعية» (هي اللهجة المُستخدمة في ضاحية بيروت الجنوبية التي يعتبرها دايخ وقاووق لكنتهما الأمّ) إلى «تعليم» التلاميذ استخدام عبارة «والحسين» عندما يريدون «الكذب». بعد انتهاء الحلقة، اختارت قناة LBCI هذا المشهد بالذات للترويج لبرنامجها الجديد على صفحاتها على مواقع التواصل، راميةً الشرارة التي أشعلت الحملة.ضخامة الحملة استدعت ردّاً من قاووق ودايخ عبر شريط مصوّر نشراه على صفحات التواصل، برّرا فيه الأمر بأنّهما «شيعيّان» وينتميان إلى تلك البيئة وتربّيا فيها وبأنّ التنميط أمر طبيعيّ في البرامج الساخرة (يؤخذ على دايخ تلفّظه بعبارة يقولها الأميركيون ذات الأصول الأفريقية بين بعضهم، تبريراً لما حصل، إذ إنّ قولها من عرق آخر يُعتبر عنصريّاً). وأضاف دايخ في الشريط «لن نعتذر لأنّنا لم نخطئ» و«لسنا نديم قطيش» وقال ما معناه إنّ المنتقدين لم يلاحظوا أنّ شيعيّيَن يقومان ببرنامج على محطّة غير شيعية، في محاولة غير موفّقة منه لإرضاء طائفة برمّتها، إذ اختزل الأمر بمجرّد وجود شخص أو اثنَين على محطّة ما، وهو أمر من المفترض أنّه حقّ لكلّ لبنانيّ.
لا خلاف على حرّية الرأي والتعبير التي تسمح لقاووق ودايخ السخرية ممّا يريدان، ضمن حدود عدم التعدّي على حرّية الآخرين طبعاً. فالصحيح أنّ التنميط هو جزء من البرامج الساخرة وعروض الـ«ستاند أب كوميدي» أينما وُجدت في العالم، إذ يكفي إلقاء نظرة على برامج أميركية أو بريطانية أو فرنسية أو غيرها لملاحظة التنميط عند السخرية حتى من اليهود الذي يمتلك الإعلام الغربيّ حساسية تجاه انتقادهم. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ قاووق ودايخ ذهبا بعيداً في المبالغة، مطمئنَّين إلى كونهما من الطائفة نفسها التي يسخران من «لكنتها»، ظانَّين أنّ ذلك يمنحهما «حصانة» ما. وإذا بهما يصلان إلى التسطيح بكلّ ما للكلمة من معنى، وهما من المفترض أنّهما يعارضانه. يكفي مثلاً أن نقارن بين مقاربات زياد الرحباني أو حتى جورج خبّاز في الكوميديا والسخرية السياسية والاجتماعية، وما نراه اليوم من تسطيح وتنميط، لنفهم بعض أسباب الاعتراضات الحالية.
بات بالإمكان أيضاً ملاحظة ظاهرة في معظم البرامج الكوميدية اللبنانية ولا سيّما على القنوات المهيمنة، وهي انجراف المعدّين في موجة «التركيز على الشيعة» سواء مباشرةً أو مداورةً من خلال الـ«كاراكْتير» البقاعي أو الجنوبي (تعمّم القنوات على المنطقتَين أنّهما «للشيعة» رغم وجود طوائف أخرى فيهما)، ولذلك خلفياته الداخلية والخارجية. وغالباً ما تكون الفقرة «الشيعية» هي العمود الفقري للبرنامج الكوميدي، بل الهدف الأوّل وربّما الوحيد، وقد تلجأ القنوات أحياناً إلى رفع ستار شفّاف من ادّعاء الموضوعية، فتدسّ فقرة تتناول طائفة أخرى بشكل عابر كي لا يُقال إنّ شغلها الشاغل طائفة واحدة لا غير (كما في «فشّة خلق» على «الجديد» على سبيل المثال لا الحصر). وبعيداً من أيّ منطق تخوينيّ قد يعتمده المشاركون في الحملة ضدّ البرنامج، فإنّ قاووق ودايخ ارتضيا أن يكونا جزءاً من هذه الظاهرة، لا بل لإسباغ الشرعية عليها، ولو لم يتقصّدا ذلك.
في المقابل، وكردّ فعل دفاعي واستباقي على هذه الموجة المتمادية، باتت نسبة الحساسية من الاستهداف الواقعي والافتراضي مرتفعةً لدى معظم «البيئة الشيعية»، فصارت تستنفر لأقلّ انتقاد ولو لم يعن شيئاً، مثل الذي ينفخ على الحليب لأنه اكتوى من اللبن. لذلك، على الطرفَين أن يبديا تفهّماً للآخر، ومن هنا فإنّ رفض الدايخ الاعتذار لم يفده، وكان الأفضل لو أنّه لم يقل شيئاً إطلاقاً. على أمل أن تبرد الأجواء وألّا يتحوّل «تعا قلّو بيزعل» إلى منبر للرسائل السياسية المبطّنة، ولا إلى اتّباع نهج «كلّن يعني كلّن» بطريقة مصطنعة، فالأجدى ترطيب الأجواء بسخرية غير نافرة، وكوميديا «على الطريقة القديمة».
على أيّ حال، ما حصل أفاد البرنامج تسويقيّاً في انطلاقته، إذ بات الحديث عنه على لسان كثيرين، في ما يشبه حيلة دعائية (publicity stunt) حصلت عليها LBCI المتعطّشة للمنافسة «ببلاش». بذلك، سيزيد عدد مشاهدي البرنامج، فيضمّ مَن وافقوا على التنميط كما مَن عارضوه، أي «من جميعو».