لو أمكننا اختصار أحداث عام 2022 بجملة، ستكون: عام صراع الإعلام الخليجي بأجنحته الثلاثة، السعودي والقطري والإماراتي. توصيف ينطبق على ما شهدته الساحة من «هزات» على إثر الخلافات بين «الإخوة الأعداء» تجلّت في توسّع الإعلام على أنواعه. الصراع السياسي الخليجي على جذب الاستثمارات، طبع الإعلام الذي شكّل الأداة الأمضى لتلميع صورة الحكّام هناك. مع بداية 2022، تمثّل الصراع في القرارات التي قضت بتعزيز العواصم الخليجية إعلامياً وإجراء عملية تموضع جديدة. فقد قرر القائمون على الإعلام الخليجي، إعادة قنواتهم إلى وطنها الأم. هكذا، توجّه الإعلام السعودي إلى الرياض، والقطري إلى الدوحة. أما الإماراتي فقد شهد المزيد من التوسّع وجذب الاستثمارات تحسّباً للفراغ الذي سيتركه الإعلام السعودي بعد هجرته من إمارة دبي. في هذا السياق، أصدر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، قراراً يقضي بإعادة موظفي شبكة mbc و«الشرق الإخبارية» و«العربية الحدث» على مراحل إلى الرياض، بعدما كانت الشاشات الثلاث قد انطلقت في الإمارات وعاشت «أيام عزّها» هناك. وبالفعل، أعلنت الشبكات الثلاث في بيانات متفرقة، عن التحضير للانتقال ــ على دفعات ــ إلى العاصمة السعودية، حيث تمّ تعزيز استديوهات القنوات لتصوير وعرض برامجها.
هكذا، بدأ موظفو الشبكات السعودية الاستقرار تدريجاً في الرياض، وستستكمل عملية الانتقال في عام 2023 مع تقديم حوافز مالية «مغرية» للموظفين كي يتركوا الإمارات.
لكن ما شهدته الرياض في الأشهر القليلة الماضية، كان بمثابة فورة ليس على الصعيد الإعلامي فحسب، بل أيضاً الفني والترفيهي. فقد صُوِّرت غالبية برامج mbc (العربية/ الشرق) في العاصمة، آخرها برنامج «سعودي آيدول» (mbc) الذي يخاطب المواهب الغنائية السعودية. كذلك، تلقّت الساحة السعودية الدرامية دعماً لافتاً عبر تخصيص ميزانيات ضخمة لتطبيق «شاهد» (المنضوي تحت mbc) لتصوير وعرض مسلسلات متنوعة (ذات حلقات قصيرة) طيلة أيام السنة تنوعّت بين التاريخي والاجتماعي والرومانسي.
بالتوازي مع فورة تصوير البرامج التلفزيونية في الرياض، تولّى رئيس مجلس إدارة «الهيئة العامة للترفيه» تركي آل الشيخ مهمّة قيادة البرامج والحفلات الفنية، ونظّم سهرات لأهم الفنانين العرب والأجانب في السعودية، حتى إنّ «أبو ناصر» أعلن عن إحياء حفلات رأس السنة هذا العام، للمرة الأولى في تاريخ المملكة. تحول اسم «أبو ناصر» إلى مادة دسمة في الإعلام الذي توّجه «عرّاب الفن»، وراح بعض النجوم اللبنانيون والعرب يقدمون له فروض الطاعة.
في مقابل الحفلات والبرامج الترفيهية والفنية التي حوّلت الأنظار نحو الرياض، «كمشت» المملكة سوقها الإعلاني بعدما أعلنت في بداية عام 2022، عن فكّ تعاقدها مع شركة «شويري غروب» بعدما عملا معاً قرابة 17 عاماً، سيطرت خلالها «شويري» على السوق الإعلامي الخليجي والعربي. لم يتبقّ في جعبة رئيس مجلس إدارة «شويري» اللبناني بيار شويري سوى قناة «دبي» بعقد مدته خمس سنوات. هذه الخطوة جاءت تطبيقاً لقرار يقضي بـ «سعودة» mbc إنتاجياً وإعلامياً وإعلانياً بعيداً عن أيّ لمسة خارجية.
على الضفة الأخرى، عاشت قطر تغييرات إعلامية غير مسبوقة وضعتها تحت الأضواء. إذ افتتح عام 2022 بقرار نقل «التلفزيون العربي» من لندن وبيروت إلى الدوحة، حيث اتخذت الشاشة التي يديرها عزمي بشارة وأعوانه، مكاتب لها تمهيداً لمنافسة القنوات الخليجية. فقد صدر قرار قطري، بإقفال مكتب لندن الذي شهد انطلاقة المحطة عام 2015 بقيادة الإعلامي اللبناني عباس ناصر، والتوجه نحو العاصمة القطرية وتحديداً إلى مبنى ضخم في مدينة «لوسيل»، لتخرج منه البرامج مباشرة على الهواء. جاءت انطلاقة «التلفزيون العربي» الجديدة من الدوحة هذه المرة، بهدف كسر الصورة النمطية عن الإعلام القطري بأنه يتعاطى السياسة فقط من خلال قناة «الجزيرة» التي كانت رأس حربة خلال الحرب السعودية القطرية.
واصلت قطر تبوّؤ الصدارة الإعلامية هذا العام من خلال مباريات كأس العالم لكرة القدم التي جرت في الدوحة. فقد شهدت قطر نشاطاً رياضياً عالمياً وتنافست القنوات وشبكات التواصل الإعلامي (الفايسبوك، تويتر، تيك توك...) على نقل الصورة من هناك. لكن ماذا عن وضع الإعلام في الإمارات العربية المتحدة؟ لا يمكن الحديث عن الإعلام الخليجي من دون التطرق إلى الإماراتي. فقد شهد الأخير قرارات مفاجئة جاءت نتيجة رجوع الإعلام السعودي إلى دياره. فقد أصدرت القيادة الإماراتية قراراً بتحريك عجلة الأنشطة الإعلامية على أنواعها (ندوات، مؤتمرات، مهرجانات...) وقدّمت تسهيلات لجذب الاستثمارات العربية والأجنبية بهدف تعبئة فراغ الإعلام السعودي. هذا الأمر كانت له نتائج إيجابية على السوق الإعلامي والإنتاجي اللبناني، إذ شهد عام 2022 موجة نزوح لمجموعة كبيرة من الإعلاميين اللبنانيين إلى إمارتَي دبي وأبو ظبي، هرباً من الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية الخانقة في لبنان. كذلك، تم الإعلان عن افتتاح العديد من المنصات والقنوات الإماراتية أولها قناة «المشهد» التي ستنطلق خلال الأيام القليلة المقبلة بقيادة اللبناني طوني خليفة. ما يمكن قوله بأنّ التغيرات في الإعلام الخليجي ستتواصل في عام 2023، وسيحتدّ الصراع أكثر من خلال المزاحمة على جذب المستثمرين وتصوير البرامج والمسلسلات في الدول الخليجية.
استمرار قضية صرف موظفين لبنانيين وعرب مناصرين للقضية الفلسطينية من قناة «دويتشه فيله» بدعوى «معاداة السامية»


كتم الأنفاس مستمرّ مصرياً
لم يستطع الإعلام المصري تحقيق أي خرق في أدائه هذا العام، بل بقي مقيّداً ضمن أجنحة النظام المصري. شهدت الساحة المصرية المزيد من التدخلات السعودية والإماراتية في إعلامها، وآخرها ولادة قناة «القاهرة الإخبارية» التي أطلقتها «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة من المخابرات المصرية في الخريف الماضي. تلك الشاشة كانت محط اهتمام بعدما تردد في الإعلام أنها تأسّست لمنافسة قناة «الجزيرة»، ولكن انطلاقتها لم تكن على قدر التوقعات وبدأت مشكلاتها تخرج إلى العلن، ما زاد من تحكّم السلطات المصرية بالقرار الإعلامي وتضييق الحريات. كذلك، اختتم العام الحالي بتعيين عباس ناصر مديراً عاماً لقناة «الغد الإخبارية» المصرية بعدما ترك «التلفزيون العربي» قبل أكثر من عام على إثر خلافات بينه وبين عزمي بشارة. في المقابل، واصلت شبكة «mbc مصر» الترويج للفورة الفنية التي تشهدها الرياض، وخصوصاً المقدّم عمرو أديب الذي يقدّم برنامج «الحكاية». إذ واصل إثارة الجدل في القضايا التي طرحها ومهاجمة بعض الأطراف اللبنانية، في مقابل الترويج للسعودية.

استشهاد شيرين أبو عاقلة
في 11 أيار (مايو) الماضي، أفاق المشاهد العربي على خبر فاجعة: استشهاد الصحافية والمراسلة الفلسطينية في قناة «الجزيرة» شيرين أبو عاقلة (1971 ــــ 2022) باستهداف مباشر من قنّاصة العدو الإسرائيلي أثناء تغطيتها اقتحام في مدينة جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة. شكّل رحيل شيرين خسارة إعلامية كبيرة، إذ واكبت الراحلة الأحداث الفلسطينية الكبرى، بما في ذلك الانتفاضة الثانية. اعتبرت شيرين بمثابة الصوت الحقيقي لوجع الفلسطينيين الذين ودّعوها بنثر الورود والدموع، وتحوّل مأتمها إلى تظاهرة أرعبت العدو الإسرائيلي الذي لم يتوان عن تفرقة التظاهرة بكل ما أوتي من قوة. استحال استشهاد شيرين، قضية رأي عام عربي، وحضر اسمها في المحافل الدولية والعربية بعد مطالبة الجمعيات الحقوقية والإعلامية بتحقيق العدالة لها.

القنوات اللبنانية تلهث وراء الـ Fresh
لا مفاجآت على الساحة الإعلامية اللبنانية عام 2022. لا يزال السوق الإعلامي المحلي غارقاً في أزماته المالية المستمرة منذ عام 2019. هكذا، كانت برمجة القنوات هذا العام منقسمة بين التوقف والتجميد، مع بروز واضح للدعم المالي الخليجي لغالبية الشاشات اللبنانية التي تسابقت على تقديم الطاعة لتلك الدول. فقد واصلت القنوات التحريض المذهبي والسياسي وتوجيه سهام النقد لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون وحلفائه على حساب طرف آخر.
في الربيع الماضي، خاض الإعلام اللبناني معركة سياسية بامتياز تمثلت في الانتخابات النيابية التي أدّت إلى توقيف البرامج الفنية والترفيهية. هذا الاستحقاق أسهم في المزيد من الانقسام الإعلامي الداخلي، وغابت الموضوعية عن البرامج السياسية التي راحت تدافع عن أطراف سياسية على حساب أخرى. فقد وضعت البرامج السياسية كل ثقلها لاستضافة المرشحين، وعلى رأسهم مارسيل غانم الذي أطل في برنامجه «صار الوقت» على قناة mtv للدفاع عن المصارف والمنظومة المالية والسياسية. كما روّح لبعض الشخصيات المرشحة للانتخابات التي دفعت أموالاً لقاء ظهورها في برنامجه. وخرق الإعلام اللبناني الصمت الانتخابي مرات عدة عبر الترويج لمرشحين.
في المقابل، شهد عام 2022 هجرة داخلية وخارجية للإعلاميين اللبنانيين. فقد أعلنت منى صليبا عن تركها قناة mtv والتحاقها بقناة «الحرة» الأميركية، بينما نقل هشام حداد عدّته من قناة lbci إلى mtv وانطلق بتقديم برنامجه الساخر «كتير هلقد». كذلك، أعلنت نانسي السبع عن تركها قناة «الجديد» والتوجه نحو الإنتاج. وكان لافتاً توجه الإعلاميين اللبنانيين للاستقرار والعمل في الخليج.
من جانبها، شهدت القنوات الإعلامية موجة صرف لموظفيها، فقد استغنت قناة «الجديد» عن أكثر من 50 موظفاً يعملون في مختلف الأقسام. كذلك غرق «تلفزيون لبنان» في أزمته المالية على إثر ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية. وتجلّت الكارثة بعدم نقل «تلفزيون لبنان» مباريات «المونديال» وحرمان المشاهد اللبناني من أبسط أمنياته بمتابعة الرياضة العالمية. على الضفة الأخرى، كان عام 2022 عام «سقوط» بهاء الحريري إعلامياً. فقد فكّت منصة «صوت بيروت إنترناشيونال» تعاقدها مع mtv أولاً ولاحقاً مع lbci، بعد أزمة مالية خانقة أدت إلى وقف غالبية برامجها. وتراجع أداء المنصة التي يديرها جيري ماهر، ويتم الحديث حالياً عن إغلاقها قريباً.
في سياق آخر، شكل عام 2022 امتداداً لقضية صرف الموظفين اللبنانيين والعرب المناصرين للقضية الفلسطينية من قناة «دويتشه فيله» الألمانية (DW) الناطقة بالعربية بحجة «معاداة السامية». فقد تابعت الساحة الإعلامية التطورات في تلك القضية بعدما أعلنت المحطة الألمانية عن صرف مدير مكتب بيروت باسل العريضي ومجموعة من الإعلاميين (اللبناني داوود إبراهيم، ومرهف محمود، ومرام سالم (شحاتيت)، وفرح مرقة) في عام 2021، ولا تزال تلك القضية عالقة في المحاكم الألمانية.
واختتم عام 2022 بفضيحة في الإعلام اللبناني تمثلت في توقيف الممثلة ستيفاني صليبا في مطار بيروت على إثر مذكّرة توقيف بحقّها والتحقيق معها في ملف «اختلاس وتبييض الأموال». الخبر أثار بلبلة في الوسط الإعلامي المحلي، وشكل مادة دسمة للشاشات والصحف اللبنانية.



المنافسة الرقمية تبلغ الذروة
لم تقتصر المنافسة الخليجية على الشاشات فحسب، بل وصلت إلى عالم المنصات والبث الرقمي. شهد عام 2022 فورة منصات تنبئ بمنافسة قوية في الأعوام القليلة المقبلة. بالتوازي مع انطلاق قنوات خليجية جديدة، راحت تلك الدول تتسابق على تقديم أفضل محتوى درامي من مسلسلات قصيرة وأفلام وثائقية وتاريخية تحفّز المشاهد على متابعتها.
في هذا السياق، تابع تطبيق «شاهد» المنضوي تحت شبكة mbc صعوده، وكان لافتاً ضخّه عشرات المسلسلات والمشاريع الدرامية طيلة العام. رغم العدد الكبير لتلك الأعمال، لكنها لم تنل نصيباً وافراً من النجاح. النشاط الزائد على «شاهد»، انعكس إيجاباً على شركتَي «صباح إخوان» و«إيغل فيلمز» اللبنانيتَين اللتين تنافستا على تصوير المزيد من المشاريع الدرامية في بيروت. كما دخل التطبيق «الحرب الدرامية» في شهر رمضان بضخّه باقة من المسلسلات القصيرة، مبشراً بمنافسة مختلفة عن تلك الموجودة على الشاشة الصغيرة.
على الضفة نفسها، قرر السعوديون تعزيز المسلسلات السعودية وتصويرها في المملكة، وتمت الاستعانة بفريق عمل أجنبي لتصوير تلك المشاريع التي طغت عليها الأعمال التاريخية والاجتماعية. وتابع القائمون على «شاهد» خطة عملهم في تقديم النسخات المشتركة والمأخوذة عن فوما تركي، لتحتلّ شبكة mbc و «شاهد» آخرها كان مسلسل «ستيلتو». رصد السعوديون ميزانية ضخمة لتلك المشاريع ذات الحلقات الطويلة، لكنها أعادت إلى الأضواء مجموعة من النجوم السوريين من بينهم سامر المصري الذي شارك في «ستيلتو».
لم يكن «شاهد» وحده على ساحة المنصات، بل أعلنت قطر دخولها هذا العالم عبر تطبيق TOD الذي أُطلق قبل أشهر ويقدّم محتوى متنوعاً في عالم البث الترفيهي والرياضي، إضافة إلى إنتاجات عربية وتركية وبرامج الأطفال. استبق القطريون «المونديال»، معلنين عن دخولهم عالم المنصات تزامناً مع الحدث الرياضي العالمي الذي نقله التطبيق.
لم يحجز TOD مكاناً له بقوة بين المنصات، ولكن القطريين يعوّلون عليه ليكون حاضراً في عام 2023.
على الضفة الأخرى، أعلنت شبكة «أبو ظبي» الإماراتية عن استحواذها على منصة «ستارزبلاي أرابيا» وهي متخصّصة في تقديم خدمات بث الفيديوهات. إذ كشفت كل من شركة «رؤية الإمارات» E-Vision - التابعة لمجموعة «إي أند» (اتصالات)، و«القابضة ADQ» (تضم قناة «أبو ظبي») عن توقيع اتفاقية ملزمة للاستحواذ على حصة الأغلبية التي تبلغ قرابة 57 في المئة من «ستارزبلاي أرابيا». ويتردد في الأوساط أن العاصمة الإماراتية تتحضر لإطلاق المزيد من المنصات الرقمية بعدما قرر السعوديون نقل مؤسساتهم الإعلامية إلى الرياض.
من جانبه، كان الحضور المصري لافتاً في عالم المنصات، إذ برزت watch it المتخصصة في بث الفيديو الرقمي، وهي تابعة لشركة «المتحدة للخدمات الإعلامية» التي تضع المخابرات المصرية يدها عليها. أنشئت المنصة عام 2019، لكنها نجحت في شهر رمضان بعدما عرضت حصرياً مجموعة من المسلسلات المتنوعة.