ما إن حطّ على نتفليكس، حتى بدأ «وينزداي» تحطيم الأرقام القياسية. خلطة ناجحة من الصعب ألّا تفتح الشهية على المشاهدة. مسلسل الغموض والجريمة والفانتازيا والرعب الجديد الذي بدأت منصّة البثّ التدفّقي الأميركية عرضه في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مقتبس من أجواء «عائلة آدمز» الأيقونية، كما أنّه التجربة الدرامية الجدية الأولى منذ 40 عاماً لسينمائي متفرّد وصاحب مزاج خاص، هو الأميركي تيم بورتون.تفاوت آراء النقّاد حول العمل المؤلَّف من ثماني حلقات، لم يؤثّر على شعبيّته في أوساط المشاهدين على امتداد العالم. فقد أعلنت نتفليكس أخيراً أنّ «وينزداي» حقّق رقماً قياسياً لأكبر عدد من الساعات التي تمّت مشاهدتها خلال أسبوع لمسلسل باللغة الإنكليزية عبر الشبكة الرائدة في مجال الـ «ستريمينغ»، مع 341.2 مليون ساعة! وأوضحت أنّ العمل الذي تؤدّي بطولته جينا أورتيغا إلى جانب كريستينا ريتشي وإيما مايرز وكاثرين زيتا جونز ولويس غوزمان وغويندولين كريستي وغيرهم، هو الرقم 1 عبر منصّتها في 83 دولة، في تعادل مع الموسم الرابع من مسلسل Stranger Things.
تدور أحداث «وينزداي» حول شخصية «وينزداي آدامز» الشابة غريبة الأطوار والمهووسة بالموت، وحياتها كطالبة في «أكاديمية نيفرمور». يتتبّع محاولات البطلة لإتقان قدرتها الروحيّة الخارقة للطبيعة وإحباط فورة القتل الوحشية التي أرهبت البلدة، وحلّ اللغز الخارق الذي أزعج والدَيْها قبل 25 عاماً. هكذا، ستحقق «وينزداي»، الذكية والساخرة والفاقدة للإحساس بعض الشيء، في سلسلة جرائم قتل بينما تكتسب صداقات وعداوات جديدة في الأكاديمية.

جينا أورتيغا ولويس غوزمان في مشهد العمل المؤلّف من 8 حلقات

وُلدت «عائلة آدامز» في الأصل على يد تشارلز آدامز عام 1938. قصّة نجحت في اجتياز اختبار الزمن بفضل قَلْبها الساخر من قيم الأسرة الأميركية. بعدما ظهرت للمرّة الأولى في مجلة «ذا نيويوركر» في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، اقتُبست «عائلة آدامز» مراراً سينمائياً وتلفزيونياً، أكثرها شهرةً تلك التي أبصرت النور على الشاشة الصغيرة عام 1964 بالإضافة إلى فيلمَيْ الـ live-action (الحركة الحيّة) في التسعينيات: The Addams Family وAddams Family Values من إخراج باري سونينفيلد. صحيح أنّ السنوات التالية شهدت مشاريع عدّة تدور في فلك هذه السلسلة، غير أنّ أجددها، «وينزداي»، يُحدث الكثير من الضوضاء.
عدد الساعات الهائل الذي حقّقه مسلسل نتفليكس في أسبوعه الأوّل وترشيحه عن فئتين (أفضل مسلسل كوميدي أو موسيقي، وأفضل ممثلة تلفزيونية لجينا أورتيغا) في الدورة الثمانين من جوائز «غولدن غلوب» (11 كانون الثاني/ يناير 2023)، يؤكّدان أنّه يلقى صدى لدى المعجبين على مستوى أعمق بكثير من مجرّد الترفيه الساخر الخالص. وهو ما يطرح سؤالاً حول مكامن الاختلاف التي مكّنته من تقديم هذا الأداء الجيّد على صعيد المشاهدة.
الحقيقة أنّ «وينزداي» نجح في إعادة تقديم البطلة لجيل جديد من دون الابتعاد كثيراً عن الأصل، إلى جانب أمور أخرى يقدّمها لجمهوره من المراهقين خصوصاً.
أبرز عناصر القوّة التي تعمل لصالحه هو تقديمه الأمين للشخصية الرئيسية. على الرغم من أنّ «وينزداي آدامز» لا تصوَّر دائماً على أنّها كارهة للبشر («وينزداي» ليزا لورينع مثالاً بارزاً)، تبقى النسخة الأيقونية التي قدّمتها كريستينيا ريتشي (تظهر في دور «مارلين ثورنهيل» في مسلسل نتفليكس) في فيلمَيْ التسعينيات الأحبّ إلى قلوب الناس. بغض النظر عن التمسّك بالسمات الساخرة للشخصية، فإنّ أحد الأسباب التي قرّبت «وينزداي» ريتشي من قلوب المشاهدين هو ميلها إلى تخطي الحدود. يتضمّن ذلك تحدّي شخصيات السلطة مثل مستشاري المخيم في Addams Family Values، والتحدث علانية ضدّ العنصرية إزاء السكان الأصليين في أحد المشاهد الشهيرة في الشريط نفسه. كما أنّها لا تخضع بسهولة للتنمّر من قبل الأطفال الآخرين، وهي حادّة في كيفية تعاملها مع التهديدات. مع رفع ريتشي سقف المنافسة مع أي ممثلة ستجسّد هذه الشخصية مستقبلاً، كان منطقياً أن تستفيد سلسلة «وينزداي» من هذا النجاح من خلال استعادة سحر أداء ريتشي. وشمل ذلك العثور على الممثلة المناسبة للدور في نسخة 2022. وغنيّ عن القول إنّ الـ «كاستينغ» الصحيح كان أمراً بالغ الأهمية لنجاح سلسلة نتفليكس الخارجة «من عقل تيم بورتون» (كما يرد على الشاشة في البداية). لحسن الحظ، حصد مديرا السلسلة مايلز ميلار وألفريد غوف الميدالية الذهبية مع جينا أورتيغا (20 عاماً)، التي تستعيد تجسيد ريتشي الشهير لـ «وينزداي». هكذا، لم تظهر الصبية حادة الذكاء وسريعة البديهة فحسب، لكنّ أورتيغا كرّمت أيضاً ليزا لورينغ في الكوريغرافيا الجديدة التي ابتكرتها أثناء حفلة الأكاديمية على أنغام أغنية «بلودي ماري» لليدي غاغا.
تضفي أورتيغا نكهة جديدة خاصة بها على امتداد العرض. فهي على سبيل المثال تتميّز باستخدام عينيها للتعبير عن مشاعرها. بصرف النظر عن حقيقة أنّها نادراً ما تومض أمام الكاميرا، فإنّها تنقل بإيجاز مشاعر الغضب والانزعاج والتصميم والشعور بالذنب والصدمة والسادية والحزن، مكتفيةً بالحملقة. تجيد أيضاً استخدام لغة الجسد لتوصل للآخرين وجود «وينزداي» المهدّد لهم. مع هذه الاختلافات عن سابقاتها، تمكّنت الفنانة التي سجّلت حضوراً في عالم «ديزني» (مسلسل Stuck in the Middle) من تقديم نسختها من «وينزداي» على أنّها أكثر ضعفاً وبشخصية ذات طبقات متعدّدة من دون التقليل من السمات الساخرة الأساسية التي يحبّها المعجبون.
حساسيّة بورتون إزاء العوالم القوطية، جعلته مناسباً تماماً لقيادة هذا العمل


وهناك مَن يرى أنّ «التنوّع» الذي يتسم به طاقم الممثلين يلعب لصالح العمل، خلافاً للنسخ السابقة التي طغى عليها الفنانون البيض.
الصداقة المكتوبة جيداً التي تجمع بين «وينزداي آدامز» وزميلتها في الغرفة «إينيد سنكلير» (إيما مايرز)، من الأمور التي يستسيغها الجمهور أيضاً، خصوصاً أنّهما مختلفتان حدّ التناقض.
في حين أنّ الاختيار الموفّق للممثلين والكتابة المدروسة للشخصيات الأساسية كانا من ركائز نجاح المسلسل الذي يتم حالياً التحضير لجزئه الثاني، لم يكن ليخرج شيئاً بهذه الدرجة من التناغم من دون التنفيذ الدقيق للمخرج تيم بورتون ومساعده الموسيقي داني إلفمان. نظراً إلى ميل «وينزداي» للسوداوية، فإنّ حساسيّة بورتون تجاه العوالم القوطية، جعلته مناسباً تماماً لقيادة هذا العمل في الاتجاه الصحيح. وعلى خطٍّ موازٍ، وبناءً على حب بورتون للجمال القوطي، أتت «أكاديمية نيفرمور» ملتزمة بالعمارة القوطية، خصوصاً أنّها مستوحاة إلى حد كبير من عالم الشاعر والكاتب الأميركي إدغار آلان بو (1809 ــ 1849). يوفّر موقع بلدة «جيريكو» حيث تجري الأحداث كذلك شعوراً قويّاً بالانعزالية التي تعدّ أمراً حاسماً للقصص القوطية، لا بل إنّه يتميّز بقصر مهجور لإثبات وجود منزل مسكون.
ولمزيد من التقاط الإحساس القوطي، تشارك إلفمان تأليف موسيقى المسلسل مع كريس بيكون، إذ استفادا من الأصوات الكلاسيكية والمرعبة في آنٍ معاً.
ومَنْ سبقت له متابعة «سمولفيل»، يدرك أنّ غوف ومايلز ميلار أعطيانا شيئاً من سلسلتهما المعروفة، وعرفا كيفية التعامل مع خطوط حبكة متعدّدة تتقاطع مع العوالم الحقيقية والخارقة للطبيعة.
المعادلة بسيطة: مزيج من التخطيط الدقيق والتمثيل الممتاز والتنفيذ المدروس، هو ما يسهم في نجاح «وينزداي» الذي يمكن الجزم بأنّ أجزاءه المقبلة لن تقتصر على رقم 2.

* «وينزداي» متوافر على نتفليكس