يقول أحد العاملين في قطاع التلفزيون المصري «إنّ إطلاق قناة في هذه الفترة هو مغامرة فاشلة. فالمحطات العربية التي تأسست في الأعوام العشرة الأخيرة، أثبتت فشلها لأسباب عدّة من بينها الوضع الاقتصادي والمعيشي المزري في مصر، والتضييق على حرية الرأي والتعبير والحريات الإعلامية في ظلّ نظام السيسي». يختصر كلامه وضع الإعلام العربي ككل، وخصوصاً المصري، في ظلّ ركود إعلامي وإعلاني لم يشهد له مثيل. لكن رغم الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها مصر على إثر ارتفاع سعر الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري وغيرها من الأزمات السياسية والمعيشية، شهدت الساحة أخيراً إطلاق قناة جديدة تحمل اسم «القاهرة الإخبارية»، ما يطرح علامات استفهام عدة حول توقيت إطلاقها وهدفها والجهات التي تموّلها.في 31 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أطلقت «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة من المخابرات المصرية، قناة «القاهرة الإخبارية» التي حملت شعار «هنا القاهرة عاصمة الخبر». علماً أنّ «المتحدة» شهدت في العامين الأخيرين، ملفات فساد أطاحت بالعديد من مديريها وسط كلام عن عمليات اختلاس بملايين الدولارات في عام 2021.
حاولت «القاهرة الإخبارية» استغلال اسم العاصمة في الترويج لنفسها، لكن من يتابعها يلاحظ أنها لم تقدّم أيّ جديد لناحية المحتوى الإعلامي. يدير أحمد الطاهري المحطة، هو الذي يتبوأ منصب رئيس قطاع الأخبار في «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية»، والنائب الحالي لرئيس قناة «إكسترا نيوز». وترجع بعض المصادر اختيار الطاهري ِإلى سمعته الحسنة في السعودية. اللافت أنّ الإدارة استعانت بالعاملين المحترفين في قناة «إكسترا نيوز» التي جرى تفريغها من كوادرها لصالح «القاهرة الإخبارية». وجرى نقل غالبية المعدّين للتعامل مع برامج المحطة المختلفة من أجل تسيير الأمور لحين إعادة ترتيب الأوضاع.
لكن ما هي قناة «القاهرة الإخبارية»؟ وهل صحيح أنّها أُطلقت في مواجهة شبكتَي «سكاي نيوز» الإماراتية و«الجزيرة» القطرية؟ وما علاقة السعودية بها؟ تلفت المعلومات إلى أنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أفصح قبل سنوات عن رغبته في تأسيس قناة مصرية تُعنى بالشأن العربي على غرار «سكاي نيوز» الإماراتية و«الجزيرة» القطرية. وتوضح المصادر أنه بعد طرح فكرة السيسي، تلقّت القاهرة تمويلاً سعودياً وإماراتياً. كان من المتوقع أن تولد القناة في الربع الأول من العام الحالي، لكن تم تجميد العمل بها لأسباب تمويلية. إذ يرجّح بعضهم بأن التصوّر الذي وضعه أحمد الطاهري ونفذه خلال ثلاثة أشهر، لم يعجب الممولين الخليجيين الذين قرّروا التخلّي عن المشروع. لكن خلال زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى القاهرة الصيف الماضي، أعيد طرح المشروع، فاتفق الطرفان على التعاون في إدارة القناة بين «المتحدة» وفريق من «المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام». علماً أنّ الأخيرة هي «أخطبوط» الإعلام السعودي تضمّ شبكة mbc و«الشرق للأخبار» ومجموعة من الصحف والمجلات السعودية. بعد ساعات فقط من زيارة ابن سلمان، تم الإعلان عن التحضير لإطلاق «القاهرة الإخبارية» فربطت الأحداث ببعضها عن تمويل سعودي واضح. وتحدّثت المعلومات عن أرقام خيالية دفعت لقاء تأسيس «القاهرة الإخبارية»، عبر تعاقدات مع مراسلين والتزامات مالية من أجل القناة التابعة للمخابرات المصرية التي تحكم السيطرة على الإعلام المصري ككل.
في هذا السياق، تكشف المصادر أن التعاون بين السعوديين والمصريين، نصّ على أن تضع «المجموعة السعودية» خطة إنتاج المحطة وتأمين تكنولوجيا البث الحديث، على أن تتولّى «المتحدة» كل ما يدور في فلك الهيكلة المالية للعمالة. وتتحدث المعلومات عن اتفاق وقّعه رئيس «المجلس الأعلى للإعلام» في مصر كرم جبر، ووزير الإعلام السعودي ماجد القصبي، للتعاون في المجال الإعلامي.
كما توقفت المواقع العربية عند اجتماعات عدة جمعت ممثلين من جهاز المخابرات عن شركة «المتحدة» وممثلين بارزين للإعلام السعودي. هذه الاجتماعات أعادت الحياة إلى المشروع المتعثّر اقتصادياً لـ«القاهرة الإخبارية» التي ستركز كل جهودها على الترويج للحكومة المصرية وخططها للخروج من الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها مصر، وكان أبرز محطاتها مؤتمر «الأمم المتحدة للتغير المناخي 2022» الذي أقيم في شرم الشيخ الشهر الماضي.
هذا من الجانب السياسي لإطلاق «القاهرة الإخبارية»، لكن ماذا عن أدائها الإعلامي؟ تزامنت ولادة المحطة مع حملة إعلانية مكثّفة، كاشفةً عن شبكة مراسلين واسعة في مختلف الدول العربية والغربية من بيروت إلى عمان وجميع الدول العربية. استجلب أحمد الطاهري شبكة مراسلي «إكسترا نيوز» إلى «القاهرة الإخبارية»، من موسكو إلى برلين مروراً بمدينة مرسيليا الفرنسية. المراسلون أنفسهم الذين ظهروا على «إكسترا نيوز» نُقلوا للعمل في الشاشة الجديدة، لكن مع فارق أنّهم تحوّلوا إلى مصادر أخبار. بات كل مراسل مجبراً على تقديم أخبار بشكل يومي والظهور باعتباره مصدراً للخبر، بل نُسب الخبر إليه. كما سيتم الإعلان قريباً عن انضمام مجموعة من الإعلاميين العرب إلى القناة، وكان أولهم اللبنانية دانيا الحسيني التي ستقدم برنامجاً سياسياً على شاشة «القاهرة الإخبارية».
صحيح أنّ عمر القناة لم يتخط الشهر ويصعب تقييم أدائها، لكن ما هو واضح حتى الآن هو غياب التميّز في تغطية الأخبار المصرية والأحداث العربية. حتى إنّ صورة المحطة وشاشتها فقيرتان، يغيب عنهما البثّ المباشر. وبرزت ثغرات في تكرار الوجوه نفسها التي تمت استضافتها، ومعالجة مواضيع بائتة، وسط غياب الجرأة في التحليل أو التميز في الخبر والسكوب الصحافي، بينما يصر القائمون على القناة بأنها تقوم بأحسن أداء إعلامي!
أطلقت في مواجهة شبكتي «سكاي نيوز» الإماراتية و«الجزيرة» القطرية


لم يعد خافياً أنّ السعودية تحاول التغلغل في الإعلام العربي ككل. وتربط المعلومات بين العلاقات المصرية السعودية الوطيدة، وبين تدخّل الرياض في الإعلام المصري بكل سلاسة. وهذا ما يبرز بشكل واضح في شتى المجالات الفنية والإعلامية التي يلمّع فيها بعض النجوم المصريين صورة المملكة ويقدّمون فروض الطاعة لرئيس «الهيئة العامة للترفيه السعودية» تركي آل الشيخ. ويفسّر بعضهم توجه المملكة نحو تمويل القنوات العربية والمصرية تحديداً، بأنّه يعود إلى فشل السعودية في طرح قنوات عربية شاملة لمواجهة «الجزيرة» التي أوجعت السعودية خلال حربها مع قطر قبل نحو أربعة أعوام. ففي عام 2015، أطلقت السعودية قناة «العرب الإخبارية» في مركزها الأساسي في البحرين، لكنّ عمر المحطة كان قصيراً، إذ عاشت 24 ساعة فقط، ليصدر سريعاً قرار بوقف بثها على أثر استضافتها القيادي في المعارضة البحرينية خليل المرزوق الذي انتقد سحب السلطات البحرينية الجنسية من 72 شخصاً.
رغم التجربة الفاشلة لـ «العرب الإخبارية»، لم يتعلّم السعوديون بعد كيفية إدارة الإعلام، بل على العكس ظلّوا مصرّين على تمويل قنوات جديدة كان آخرها «الشرق للأخبار» التي انطلقت في الإمارات عام 2020، ولم تترك أيّ بصمة تميزها عن زميلاتها. جاءت ولادة هذه المحطة بناء على طلب ولي العهد محمد بن سلمان، بهدف تلميع صورته بعد قتل الصحافي السعودي جمال خاشجقي (1958ـــــ 2018)، بخاصة أنّ قناة «الجزيرة» القطرية تميّزت وقتها بتقاريرها الاستقصائية عن الجريمة، كاشفةً عن هوية منفذ عملية القتل التي حدثت في مدينة إسطنبول التركية وعلاقة ابن سلمان بتلك الجريمة.
في المقابل، من الواضح أن السعودية فشلت في تعزيز شبكة «mbc مصر» التابعة لها، إذ تدور حولها العديد من الشبهات. بعدما تعاقد السعوديون مع الإعلامي المصري عمرو أديب بملايين الدولارات، بحسب تصريح المستشار تركي آل الشيخ، جُنّد أديب للهجوم على الأطراف المعارضة للسعودية، وتحديداً اللبنانية منها. لكن يبدو أنّ المملكة تفتش حالياً عن منافذ إعلامية من بوابة مصر للوصول إلى أكبر شريحة من المشاهدين العرب.