تتلخّص الرسالة «الحضارية» التي يمكن لبرنامج «فاشلين بالحب» (تقديم غيد شماس على قناة «الجديد»)، إيصالها إلى متابعيه بكون الزمن الراهن، قد صار أكثر تعقيداً من الماضي. باتت عملية خروج ثنائي ما في موعد غرامي تستدعي متاهة معقّدة من الأحاجي والدروب المتعرّجة إلى حدود بعيدة. أما أول ما ينتاب المشاهد لحلقة من حلقات البرنامج، فهو شعور بالتحسر على الأمس الغابر عندما كان الأمر قابلاً للتحقق ببساطة تستلهم مقولة الشاعر: نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء. من شأن تحويل العلاقة الجندرية إلى لعبة متفاعلة مع النشاط المرئي، تستمد ديمومتها من التمرحل والتحقيب الزمني، وتوزع الأحاسيس بين ما قبل الفواصل الإعلانية وما بعدها، أن يجعلها أشبه بسيناريو احترافي يتأرجح على إيقاعَي القطع والمزج، تتشابه في سياقه العفوية مع التمثيل، كما تتناوب ضمنه إيحاءات المشاعر مع تعليمات المخرج. ثنائيات متناقضة تتماهى مع الدرجات والعلامات التي يرفعها أحد المشاركين تعبيراً عن مدى انسجامه مع، أو اعتراضه على، كلام أطلقه مشارك من الجهة المقابلة، بما يدخلنا في صميم الظاهرة الافتراضية السائدة حالياً، حيث يمكن لإشارات الإعجاب أن ترسم مصائر البشر.الصلة المنشودة بين طرفين، عبر البرنامج المدرج في خانة الترفيه، تمر بمخاض على درجة لافتة من التعقيد: اختبارات وتحديات بين فريقين أيمن وأيسر، يضمان عناصر بشريين «فاشلين بالحب»، ومعترفين بذلك الفشل، حيث بوسع عملية فرز مستندة إلى تقييمات مزاجية أن تغيّر الوقائع، فيتحول أحد الفاشلين إلى محط أنظار، بحصوله على شريك من الجنس الآخر، فيما يحافظ الباقون على فشلهم، وقد يحظون بالمزيد منه.
السؤال الذي يطرح نفسه بعد الحلقة هو من نوعية: «ماذا بعد؟». ما هي الخطوات اللاحقة للثنائي المتحرر من سطوة الفشل؟ من هي الجهة التي ستقرر له خطواته التالية؟ ارتباطاً أو انفصالاً أو بقاءً للأمور على ما هي عليه؟ ماذا عن خيارات الكائنات البشرية المستجدة المتوقّعة جراء ظرف مماثل؟ هل ستستمر الحياة محافظة على صيغة اختبارات متصاعدة المستوى؟ يقول مقدم البرنامج إنه لا هو، ولا المحطة التلفزيونية سيكون لهما دور في ما يحصل لاحقاً، أي إن الثنائي الناجح سيُترك لمصيره في مهب النجاح.
البديهي أن لكل مشارك في البرنامج سيرته الذاتية التي تتوزع بنودها بين نجاح وإخفاق وإنجاز وإحباط. لكنّ البرنامج يصر على الاستثمار في الفشل وحده. ولا يمكن لذلك الخيار أن يكون بريئاً: الفاشلون هم الأكثر استعداداً لركوب الموجة مهما كان وعدها بالنجاة ضئيلاً.
تقول إحدى المشاركات في البرنامج إنها لا تؤمن بالحب، وترى أن لا وجود له، وتؤكد أنها تبحث فقط عن رجل بجيوب ملأى. البديهي أنه لا يسعها أن تكون فاشلة في أمر لا تعترف بوجوده أصلاً. لكنها ترتضي التعريف بالفشل كمعبر محتمل نحو الهدف الأسمى المرتبط بانتفاخ الجيوب. وتوضح ثانية أنها عقلانية لا تولي قلبها الكثير من الإصغاء. وهي عبارة ملطفة يمكنها أن تعني ما قالته الأولى وفق صيغة أقل مباشرة، فيما تحسم الثالثة الأمر وتقول رداً على سؤال حول رأيها بالسوشل ميديا بأنها «أصبحت كل شيء، وهي توصلك إلى حيث تريد».
هنا لا يعود ضرورياً التعمّق في تحليل البرنامج والبحث عن الخفايا والخبايا التي جعلته ممكناً: ثمة جهة إنتاجية ترغب في إنجاز عمل تلفزيوني قابل للتسويق، تقابلها حفنة من الشباب الباحث عن منفذ من الأزمة الاقتصادية الخانقة.