لربما أهم فكرة يمكن أن تحكى حول فيلم Fullmetal Alchemist the Revenge of Scar (الكيميائي المعدني: انتقام سكار ـــ 2022) الذي أنتجته وتعرضه نتفليكس هو مقدرة الممثلين اليابانيين على تأدية أدوارٍ مأخوذة من سلسلة مانغا شهيرة بصدقية عالية، وبأداء مقنع، على الرغم من صعوبة وغرابة مزج المانغا وأجوائها بالواقع المعاش. قصة المانغا معروفة وشهيرة -ليس في اليابان فحسب بل عالمياً ـــ Hagane no Renkinjutsushi (وتعني حرفياً الكيميائي المعدني) كتبتها المانغاكا اليابانية هيرومو أراكاوا، وبدأت بنشرها في إبتداء من العام 2001 واستمرت لأكثر من عشرة أعوام بأعدادٍ شهرية في مجلة Gekkan Shonen Gangan وعبر شركة النشر «إينيكس» (من 2001 إلى 2003) و«سكوير إينيكس» (من 2003 إلى 2010) مقسمةً على 27 مجلداً أو كما يسمى باليابانية تانكوبون (وتعني قصّة كاملة). حظيت السلسلة بالكثير من النجاح والتقدير كما المكسب المادي، فصنعت حولها مسلسلات أنيميشن كثيرة، روايات مصوّرة، قصص قصيرة، وحتى اللحظة فيلمان هما live action (أي بمعنى واقعيين مع ممثلين حقيقيين) وأنتجت نتفليكس الجزءين (الأوّل في العام 2017). وبحسب احصاءات، باعت هذه المانغا حوالي 61 مليون نسخة حتى العام 2013، وشاركت في استفتاء أجراه تلفزيون «أساهي» الياباني كأفضل «أنمي» ياباني عبر كل العصور. وللمفارقة، كانت هذه القصّة قد حظيت بمسلسلي أنمي مختلفين: النسخة الأصلية صدرت في العام 2003، ومسلسل آخر حمل عنوانFullmetal Alchemist: Brotherhood صدر بعدها بخمس أعوام أي 2008، وقد كان منسوخاً بشكلٍ حرفي عن المانغا الأصلية، فيما ابتعد الأوّل عنها، وقارب قصّته المختلفة بسبب عدم اكتمال المانغا آنذاك؛ وإن احتفظ بذات الأبطال، العالم، البيئة، والإطارين الثقافي والزمني. قبل الولوج إلى عالم القصّة، يجب شرح مجموعة مفاهيم صغيرة تسهّل فهم القصّة: أولاً مبدأ الخيمياء الذي تقاربه القصة، هو مزجٌ لأفكار كانت سائدة في عصور ما قبل الثورة الصناعية وصولاً إليها. كان السير إسحاق نيوتن واحداً من أهم العلماء الذين اعتقدوا بأهمية الخيمياء. الخيمياء إصطلاحاً هي فكرة تحويل أي معدن إلى معدنٍ آخر باستخدام العلم ممزوجاً بما يعتقد أنه خوارق. وغالباً ما كانت الفكرة تشير إلى تحويل أي معدن إلى ذهب. من هنا جاءت رائعة باولو كويلو «الخيميائي» حيث يفتّش البطل ويدور العالم بحثاً عن الذهب. الفكرة ذاتها ارتبطت كذلك بفكرة «حجر الفلاسفة» والحجر هذا يمكنه تحويل أي معدن إلى معدنٍ آخر من دون جهدٍ بالغ: بمعنى أدق، يستطيع تحويل الخشب إلى ذهب أو العكس، وهكذا. هذه الأفكار، كانت سائدة، شعبية في عصر الثورة الصناعية. استندت قصة المانغا الأصلية على هذه الفكرة، وإن أضافت إليها أبعاداً خاصة، فجعلت «الخيميائي» يمتلك قدراتٍ خارقة بأن يسيطر على العناصر الطبيعية الأصلية، ويحوّل الهواء إلى نار والأرض إلى صخور منطلقة، وسواها، بسيطرته على عناصر وقوى الطبيعة تلك.
تروي قصّة المانغا ككل حكاية الشقيقين ادوارد وألفونس إلريك، اللذين يعيشان في قرية صغيرة تدعى ريزمبول في وطنٍ وهمي يدعى أماسترس؛ مع والدتهما تريشا بعد رحيل والدهما الخيميائي فان هوهنهايم من دون سببٍ معروف. سرعان ما تصاب تريشا بمرض عضال وتموت، لكن إدوارد وألفونس يرفضان ذلك، فيقرران استخدام المعرفة الخيميائية لإعادة إحيائها. يفشل الأمر لكن الفشل يكون ثمنه كبيراً: يخسر ألفونس جسده، وإدوارد قدمه اليسرى. وكي لا يخسر كل شيء، يضحي ادوارد بيده، كي يربط روح شقيقه بدرعٍ معدني كان بجانبه. هنا تتدخّل مهندسة صديقة لهما (تسمى مهندسة أوتوميل بحسب المسلسل) باختراع يدٍ معدنية لإدوارد، ودرع أقوى لألفونس ليس لإبقائهما على قيد الحياة فحسب، بل لكي يقدرا على حماية نفسيهما واستعمال قواهما المكتسبة من الخيمياء. ألفونس وإدوارد سرعان ما ينضمان إلى «الجيش» ضمن فرقة «خيميائيي الدولة»، وهم رجالٌ يستخدمون قواهم الخارقة للدفاع عن دولة «أماترس» أو مهاجمة أعدائها. من هنا تبدأ قصة فيلم «الكيميائي المعدني: انتقام سكار». و«سكار» واحدٌ من القلائل الناجين من سكان مدينة «إشبال» التي قام جيش مدينة أماتريس، باستخدام خيميائيي الجيش لقتلهم ضمن مقتلةٍ كبرى. سكار يضع نصب عينيه مهمة الإنتقام من كل الخيميائيين، مستخدماً قوى خيميائية وأخرى سحرية. لا يتوقّف الفيلم بالتحديد عند هذه القصة، فهو مليء بالقصص الموازية التي تقارب جميع القصص المعتادة في الكوميكس/المانغا: العلاقات الأسرية، العاطفية، الصراعات البشرية، الخيانة، البغض، الحسد، الإنتقام، فضلاً عن الخوارق والسحر والثمن الذي يقدر البطل على التضحية به مقابل تحقيق ما يصبو إليه. هنا لسنا نهائياً أمام قصةٍ معتادة، أو أبطالٍ معتادين. سكار مثلاً، هو anti-hero بكل ما للكلمة من معنى: إنه ليس شريراً عضوياً، إنه منتقم غاضب جراء الظلم الذي تعرّض له أهله. في الوقت نفسه، إدوارد وألفونس وجميع خيميائيي الدولة ملزمون بإيقاف سكار عند حده وحتى القضاء عليه. كلا الطرفين لديه مبرراته المنطقية التي ستجعل المشاهد في حيرةٍ من أمره. يطرح إدوارد سؤالاً: كيف يبرر سكار لنفسه ما يفعله؟ في إشارة لجدوى الانتقام، وهل يشفى العالم بعيون مفقوءة في إشارة للسؤال الفلسفي الشهير حول جدوى قانون شريعة حمورابي الشهير «العين بالعين والسن بالسن». في الإطار عينه، تقدّم الأنيمي/المانغا/الفيلم ضمن أبعادها الثلاثة أجواء غير معتادة حتى على عالم المانغا/الأنمي: إنها تتخطى فكرة الأسئلة المبهمة إلى الأسئلة المباشرة: هل سكار على حق في حين أنه مستعد أن يقتل أناساً أبرياء أكثر مما قتل الخيميائيون في تلك المجزرة؟. الأمر نفسه ينسحب على الصراع الأبدي بين العلم والأخلاق حين يقرر مثلاً البطلان أن يعيدا إحياء والدتهما، أو يستخدم غيرهم الخيمياء للوصول إلى أهدافه الخاصة. أما الفكرة الأهم في المسلسل فهي فكرة الخلق: إذ إن البطلين حال فشلهما في إعادة الإحياء، فإنهما يذهبان تجاه فكرة إعادة تخليق/خلق أمهما من جديد. ما الفارق بين ما قام به الأبطال وبين فكرة النعجة دوللي والإستنساخ؟ إنها محاولة البشرية لعب دور الإله وإن عبر قصة إنمي تظهر جوانب أشد سوداوية من المعتاد.
تقنياً، يجب الحديث طويلاً عن الجهد الكبير الذي بذله لا الممثلون فحسب، بل أيضاً مخرج العمل وصناعه العاملون في مجال الـ CGI والمؤثرات البصرية والصوتية. يمتلئ الفيلم بالكثير من مشاهد السحر، الحجارة المتساقطة، الحوائط المدمرة، القطارات المتفجّرة، الأجساد الطائرة، كل هذا كان يجب مراعاته منذ اللحظة الأولى للتفكير في صناعة الفيلم، لذلك تم العمل على الفكرة، وإعطائها الكثير من الزخم، منذ الجزء الأوّل من الفيلم في العام 2017.
--
Fullmetal Alchemist the Revenge of Scar على نتفليكس
--