بدأت منصة «شاهد» السعودية أخيراً بث المسلسل الدرامي «الثمانية» (إخراج أحمد مدحت ـــ كتابة تركي آل الشيخ) الذي يتكوّن من ثماني حلقات، يؤدي بطولتها خالد الصاوي، آسر ياسين، منذر رياحنة، محمود البزّاوي، وريم مصطفى؛ فضلاً عن قائمة طويلة من النجوم الضيوف أمثال جهاد سعد، محمد ممدوح، وضاح سوار، والسعودي خالد صقر. يُضاف إليهم ثلاثة ضيوف أجانب هم الأميركيّان مايكل بيتش وريتشارد دي مايو، والممثل الروسي باشا ليشنيكوف. ليس تركي آل الشيخ أول «مسؤول» خليجي يكتبُ عملاً درامياً؛ إذ برز آخرون قبلاً كتبوا نصوصاً وأعمالاً تحوّل بعضها إلى مسلسلات درامية أمثال الوزير والروائي السعودي الراحل غازي القصيبي. لكن المفارقة أنّ آل الشيخ هو الوحيد الذي يستغل منصبه إلى هذا الحدّ لتعويم أعماله والتسويق لنفسه. هو ينتجها بنفسه. صحيح ليس بشكلٍ مباشر، لكنّ الجميع يعلم أنّه إذا أنتجت «شاهد» الرقمية العمل، فإنه حكماً من تمويل وإدارة آل الشيخ نفسه. وكان الأخير قد كتب عبر صفحته على مواقع التواصل بعدما نشر برومو المسلسل التشويقي: «أول إنتاجات «رزام» (شركة «رزام» لإنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والموسيقى)، التي اهتم فيها بجودة المحتوى والتنفيذ والأسماء المشاركة. «رزام» عبارة عن كلّ هواياتي التي أريد التعبير عنها، ومن أهمها دعم الموهوبين في كل العالم». فعلياً ما هي «هوايات» آل الشيخ؟ لا أحد يعلم، ولكنّ الظاهر بأنَّها «فنية/ ثقافية» على ما يبدو.
يروي المسلسل حكاية رجل أعمال ثري يدعى ناصر المنشاوي (الممثل المصري القدير خالد الصاوي) يعمل كتاجر أغذية ومشروبات. لكنّه في الحقيقة زعيم عصابة، يعمل في الممنوعات كعادة هذا النوع من المسلسلات، مع الإصرار على إعطاء المنشاوي «مكانة» كبيرة في عالم الجريمة المنظّمة. تحب ابنة رجل العصابات هذا؛ الضابط أدهم البارودي (آسر ياسين) الذي يعمل كضابط شرطة مصري في جهاز أمني وهمي اسمه «جهاز مكافحة الجريمة المنظمة دولياً التابع لمنظمة الأمم المتحدة». يذكّرنا «أدهم» بشخصية ضابط المخابرات المصري «ن 1» أدهم صبري الذي أرّخ له الكاتب المصري الراحل نبيل فاروق وأعطاه تسمية «رجل المستحيل». إنه ضابطٌ مدهش، فريد من نوعه، وجذّابٌ للغاية. سارة (ابنة المنشاوي تلعب الدور لارا اسكندر) ونجلا (أخت البارودي، تلعب الدور سارة عبد الرحمن) هما صديقتان؛ تُصابان بإطلاق نار لا يُعرف مصدره أو هدفه: سارة ـــ التي هي أيضاً حبيبة أدهم ــــ تفارق الحياة، فيما ترقد نجلا في غيبوبة في المستشفى. سرعان ما يقرّر البارودي والمنشاوي أن يتّحدا لمواجهة مُطلق النار والانتقام منه.

خالد الصاوي في المسلسل

صُوّر «الثمانية» في مصر، وفرنسا، والمغرب، وبلغاريا ولبنان. وبالنظر إلى الأسماء الكبيرة التي لعبت أدواره الرئيسية، يمكن الاستنتاج بأن آل الشيخ يريد أن يدخل العمل التلفزيوني من أوسع أبوابه. تظهر هذه الميزانية من خلال تصوير مشاهد مطاردات السيارات، فمعظم السيارات المستخدمة حديثة للغاية، فضلاً عن الحاجة لكاميرات ومصورين ومجازفين لهذا النوع من المَشاهد، ما يجعله مكلفاً في العادة، خصوصاً إذا ما صُوّر في بلادٍ كفرنسا أو لبنان. أدائياً، يمكن القول بأنَّ وجود خالد الصاوي وآسر ياسين في أي عمل يعطيه قيمةً كبيرة، كون الصاوي أحد أهم النجوم المصريين الحاليين، خصوصاً مع أداء أكثر من مميز في شخصية الزعيم الإخواني «خيرت الشاطر» في الجزء الثالث من مسلسل «الاختيار». أما ياسين فهو يأتي من مسلسل «سوتس بالعربي» حيث قدّم أداءً يليق بسمعة ممثلٍ قدير. وقد أثبت كلاهما أنهما يستطيعان العمل معاً، وإضافة الكثير للشخصيات التي يلعبانها.
مع ذلك، فإنّ مسلسل الأكشن والتشويق هذا مليء بالكليشيهات المعتادة والمتكررة. رجل العصابات الثري، والد الابنة «الملائكية»، الذكي «الحربوق» الذي يعرف بودلير ويسمع الموسيقى الكلاسيكية، في مقابل رجل المخابرات «الخارق» الذي يركض بسرعة فائقة، ويقفز من المروحية، يحلّل ويناقش، فضلاً عن معرفته بلغات عدة، ناهيك بكليشيهات من نوع «أنا عمري في حياتي ما شتغلتش مع بنت قبل كدا» التي يقولها مازن (محمد علاء) أحد ضباط الشرطة المصريين لزميلته كارولين (ناتاشا شوفاني) وهي شرطية من لبنان. مع العلم بأن تواجد شرطيات مصريات وعربيات حاضر منذ سنواتٍ في العمل الداخلي كما الخارجي في مصر ولبنان معاً، وهو أمرٌ بديهي؛ لكن ربما افترض آل الشيخ، أنّ الإشارة إلى ذلك قد يضفي جانباً كوميدياً أو «مهضوماً» على المسلسل. حاول الأخير أن يكون مشوقاً إلى حدٍ كبير، لكنه في الوقت نفسه وقع في فخ «الزيادة» في جرعة الأكشن، فهو في النهاية ليس فيلماً سينتهي بعد ساعة ونصف الساعة. يبدو «الثمانية» في لحظةٍ ما «ضاغطاً» أكثر من اللازم، سريعاً في لحظات ما، بشكل يفوق سرعة المسلسلات، وهذا قد يعجب بعضهم، لكنه قد يكون ثقيلاً أكثر من اللازم على الآخرين.
بحر الأموال الذي ينعم به، سيُعطيه الفرصة بصنع تجارب كثيرة


إخراجياً، لا يمكن القول بأنَّ المخرج أحمد مدحت قد أصاب أو أخطأ في هذا العمل. بعد الحلقات الأولى، يمكن القول بأنه مع ميزانية مفتوحة مثل هذه، فقد أعطى أداءً مقبولاً. الكاميرات ساعدته كثيراً ليقدّم «شريراً» خاصاً، وإن كاريكاتورياً في لحظاتٍ ما، مع بطلٍ «خارقٍ» بعض الشيء، و«حبيبات/ أخوات» أشبه بالملائكة. بصراحة لولا مهارة الممثلين الأدائية، لكنا أمام مشكلة حقيقية، خصوصاً أن النص لم يطاوع مخرج العمل ليرفع مستوى المسلسل كما يجب. في الوقت عينه، هناك نقاط جميلة كاستخدام أغنيات فرنسية (كأغنيات الراحلة داليدا) كخلفية موسيقية، وأيضاً كنوع من الإشعار بقدوم شخصية ناصر المنشاوي.
باختصار هو مسلسل «تجربة»، يحاول «أبو ناصر» (تركي آل الشيخ) أن يدخل به عالم الدراما، ولا نعرف ما هي تجربته القادمة، خصوصاً أن بحر الأموال الذي ينعم به، سيعطيه الفرصة بصنع تجارب كثيرة، فهل هذا سيُفيد الفن أو الثقافة في العالم العربي؟ الحكم هو بالتأكيد للجمهور وللتاريخ كذلك.

* «الثمانية» على «شاهد»