لا تحتاج شيرين أبو عاقلة إلى «لوغو» يسبق اسمها، فقد كانت في أطول مَهمة ميدانية في تغطية وقائع العار الإسرائيلي. لم تقف يوماً فوق سجّادة حمراء، إذ كان الدم الفلسطيني سجّادتها، من انتفاضة إلى أخرى، ومن حصارٍ إلى آخر، ومن اقتحامٍ إلى آخر، في سرديات بصرية تخصّ الوجدان الشعبي أكثر مما تنتمي إلى هُوية محطة أو جهة أو تنظيم، كما لو أنّها واحدة من الحشود بكولاج شجاع يضعها في مقدمة تظاهرة أو زحام أو سيارة إسعاف. مراسلة ميدانية من أكثر الأماكن عنفاً وعنصرية، ترسم بألفة أطلس فلسطين المغيّبة لتمحو اسم إسرائيل من الخريطة الملتهبة، من دون شعارات أو مجدٍ شخصي أو أوهام. بجفنين يغطيهما السواد وأنف لم يخضع لعملية تجميل، وحزن أبدي في العينين، صنعت وثيقة دامغة لبلاد محتلة تنهض كل يوم برائحة الزيتون والبرتقال والصعتر. أفكّر الآن بالقنّاص الإسرائيلي الذي لن يُحاكم على جريمته بالطبع، وهو يسدّد رصاصته القاتلة نحو رأس شيرين أبو عاقلة دون سواها. تبّاً للخوذة التي تحمي الرأس، يقول لنفسه بنزق. فليخترْ إذاً مكاناً آخر للإصابة، ليكن تحت الأذن مباشرة. إصابة من هذا النوع ستمنع المراسلة الشجاعة من أن توقّع تقريرها بعبارة: شيرين أبو عاقلة، مخيّم جنين. على المقلب الآخر، ستستنفر منصات ومحطات ووكالات أنباء معجماً هجيناً في توصيف الجريمة تبعاً للأهواء المتضاربة: وفاة، استشهاد، اغتيال، قتل، إعدام. ثم: على يد الجيش الإسرائيلي، الاحتلال الصهيوني، جيش الاحتلال، جنود الاحتلال، قنّاص إسرائيلي.ما تجاهله القنّاص أو ما غاب عن تفكيره، أن شيرين أبو عاقلة عادت إلى القدس يكلّلها علم فلسطين، وهذا ما لن يستطيع محوه من ذاكرة الجموع.