على الرغم من فظاعة المأساة التي ألّمت بطرابلس أمس، مع غرق قارب يضم مهاجرين غير شرعيين الى أوروبا، كان يقل أكثر من سبعين شخصاً، الا أن هذه الحادثة الأليمة، تحوّلت الى ما يشبه البازار الإنتخابي. مع انتشال الجثث الغارقة في المياه الشمالية، وتسريب معلومات حول مسؤولية الجيش في إغراق القارب، وترك الركاب يواجهون مصيرهم، خرجت حملة إعلامية مركزة، وضعت ثقلها في المناطق المنكوبة في طرابلس ودسّت نفسها بين الأهالي المفجوعين لتخرج غضبهم على الهواء. هكذا، ضمن ساعات قليلة، تحوّلت كارثة طرابلس الإنسانية الى حفلة تراشق مسؤوليات وتصفية حسابات بين الشاشات في زمن الإنتخابات. إذ كان لافتاً تغطية «الجديد» التي فتحت هواءها أمس، لمواكبة هذه الفاجعة، وتوزيعها لثلاث مراسلات ميدانيات بين المناطق الشمالية. تغطية اعتمدت فيها المحطة على لعبة الاثارة وعلى استصراحات الشارع الغاضبة، ونقل مضامينها على الهواء، حتى أنها دسّت نفسها بين عوائل الضحايا المفجوعين، لتسألهم عن مسؤولية هذه الجريمة. صبّت الإستصراحات في الهجوم على الجيش اللبناني وعلى رئاسة الجمهورية، مع تكرار عبارة «ولادنا برقبتك يا قائد الجيش»، و«دم ولادي عندك». استصراحات مرّت بدون فلترة في شارع يغلي أصلاً، تخللته مناوشات بين الجيش والأهالي، وسط إطلاق للنار، لتعود المحطة بعد ذلك، وتذكّر بيأس الطرابلسيين من الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وتتوجه الى الجيش في مقدمة نشرة أخبارها، وتقول له إنّه «أمام تحد لإثبات الحقائق وبفتح تحقيق عسكري جاد». تغطية «الجديد» الموجهة سياسياً، سرعان ما ردت عليها كل من mtv، وotv، كل على طريقتها. بعد دفاع قناة «المر» المستميت عن قائد الجيش جوزيف عون واعتبار أن ما حصل في طرابلس، يعدّ «إستغلالاً من قبل أركان الطبقة الفاسدة لهذه الحادثة، وتسجيل نقاط على قائد الجيش لحسابات رئاسية»، ربطت otv، الهجمة على رئاسة الجمهورية بالبازار الإنتخابي، واستغلال الحادثة الإنسانية سياسياً وانتخابياً. هكذا، تنضم مأساة قارب طرابلس الى حفلات الإستغلال والاستثمار السياسي في زمن الإنتخابات وتتراشق الشاشات المسؤوليات حولها، من دون أي اعتبار للحقيق أو معرفة ملابسات ما جرى وانتظار التحقيق القضائي.