لطالما أبدى ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي عتباً على المؤسسات الإعلامية الناطقة باسم المقاومة لاعتبارهم أنها بأدواتها التقليدية عاجزة عن مواكبة الطفرات السريعة والمتلاحقة في عالم الميديا ومقصّرة في صدّ الحملات التي لا ينفكّ ينظّمها خصوم المقاومة وأعداؤها، والتي نجحت إلى حد ما في التأثير على الرأي العام المحلي والعربي وتأليبه على المقاومة تحت عناوين مختلفة.والحقيقة أنّ هذا التفوّق الإعلامي للخصوم قد يكون عائداً بجانب منه إلى تقصير في مكان ما أو اختيارٍ لأدوات غير مناسبة أو أخطاء فنية هنا وهناك، ولكن سببه الأول هو انعدام التكافؤ في المنافسة في ظل التفاوت الهائل في الميزانيات المرصودة لهذه المعركة على كلا الجبهتين، وحجب القنوات المقاومة عن الأقمار الصناعية، والمعايير الانتقائية الخاصّة ببعض المواقع كفايسبوك ويوتيوب، فضلاً عن دور المنظومة الأخلاقيَّة والقيميَّة التي تحكم أداء المقاومة وأذرعها الإعلامية، فتجعلها شبه مكبلة في حلبة مبارزة مفتوحة أمام لكمات الخصوم على أنواعها من افتراء وذم وشتم وإهانة بحجة النقد السياسي الساخر.
أما الاعتبار الأخير فهو حرص المقاومة الدائم على التهدئة في الداخل حتى مع أشرس الخصوم وتجنّبها الخطاب الحاد والمباشر، إلا في حالات محدّدة ونادرة تقتضي فيها المصلحة الوطنية ذلك، وانسحاب هذا الأمر من السياسة إلى الخطاب الإعلامي الذي يغدو – والحال هذه – محكوماً بقيود ومحاذير إضافية تزيد من صعوبة مهمته.
من هنا نشأت الحاجة إلى مبادرة أفراد من بيئة المقاومة للتصدّي لهذه المهمة، مستندين إلى ما يمتلكونه من قدرات ومواهب ومهارات مختلفة ومن هامش تحرّك أكثر اتساعاً، ليتولوا ملء النقص الحاصل في الجبهة الإعلامية وقول ما تريد المقاومة قوله مما لا يتسع له الهامش الضيق لمؤسساتها الرسمية.
ضمن هذا السياق، يأتي برنامج علي حسين دبق «قهوة الخال»، الذي يُبثّ عبر «فايسبوك» ويعدّه ويقدّمه دبق منفرداً متناولاً من خلاله أحداثاً سياسيَّة واجتماعيَّة بطريقة ساخرة تحمل في طياتها رسائل مهمة، حيث تناولت حلقته الأولى الشعارات الفضفاضة لبعض الحملات الانتخابية، بينما كان موضوع الحلقة الثانية أزمة النفايات المفتعلة أخيراً في ضاحية بيروت الجنوبية واتهام بعضهم لحزب الله وبلديات المنطقة بالمسؤولية عنها.
المخرج وصانع المحتوى الشاب كان قد باشر قبل فترة تقديم فيديوهات مصورة بهاتفه المحمول من داخل غرفته أو سيارته عبر حسابه الشخصي قبل أن يعمد إلى تطوير التجربة لتتحول إلى برنامج يُبثّ دوريّاً ويحمل اسماً واضحاً ومحدّداً. وعن الإسم، يقول دبق لنا إنّ المقاهي هي عادةً ملتقى الناس على اختلاف فئاتهم وأمزجتهم. أما «الخال»، فهي لفظة لها وقع محبّب عند الناس في لبنان ودول المشرق العربي يطلقونها على كل من كانت له مكانة مميزة في قلوبهم. ويشرح لنا أن الجو الشعبي القريب من الناس الذي يوحي به الإسم، ينسحب أيضاً على كافة تفاصيل البرنامج من اللغة والمصطلحات والأدبيات المستخدمة وصولاً إلى الهوية البصرية.
ويؤكد دبق أن البرنامج عبارة عن مبادرة فرديَّة بتمويل ذاتيّ وُلِدَت بعد ملاحظته أنّ المقاومة باتت شبه مكشوفة إعلامياً أمام الاستهدافات الظالمة عبر السوشال ميديا من داخل بيئتها ومن خارجها، مما يحتّم على كل المؤمنين بهذه الفكرة النبيلة التصدي للرد وتفنيد الطروحات المضللة وفضح الأكاذيب والافتراءات، بمعزل عن أي طموحات شخصية بالشهرة والانتشار. ويرى أن القالب الساخر للبرنامج، لا يعيق تناول الجوانب الإيجابية التي ينساها أو يتناساها الآخرون. ويلفت إلى أنّ حجم التفاعل مع ما يقدّمه يتضاعف تدريجاً، مؤكداً انفتاحه على أي مقترحات أو آراء أو أفكار يتلقاها من المتابعين من خلال التعليقات أو الرسائل الخاصة في حال كانت تخدم فكرة البرنامج وتتوافق مع أجوائه وهويته.
ويكشف دبق أنه في صدد إنشاء صفحات للبرنامج على فايسبوك وتويتر وانستغرام وتيكتوك، على أن تتجاوز مفهوم الصفحات المعروفة على السوشال ميديا لتكون بمثابة «القهوة الافتراضية الأولى في لبنان»، متحفظاً على بقية تفاصيل المشروع التي سيعلن عنها في وقت لاحق.