أوّل من أمس بينما كان صاحب شركة «كلاكيت» إياد نجار يحتفي بتسيّده المشهد الدرامي من ناحية حجم المتابعات والإشادات بمسلسله «كسر عضم» (كتابة علي صالح وإخراج رشا شربتجي بطولة: كاريس بشار، فايز قزق، سامر اسماعيل...)، أوقعت الحلقة السادسة صنّاع العمل في مأزق عندما مرّ ضمن سياقها حدث يستحق التوقّف عنده ملياً ومناقشته بهدوء. تهمّ صبية بالخروج من بيتها بملابس عادية جداً، فتعترض أختها الكبيرة التشكيلية شمس (نادين تحسين بيك) على طريقة لباسها... وفي الطريق، يتعقبّها شباب متحرشون، فيهرع صاحب أحد المحّلات للدفاع عنها، لتقع مشاجرة ثم تصل القصة إلى الأمن الجنائي. تسرع الأخت الكبرى لمساندة شقيقتها ويدور حوار غريب عندما تأتي الفتاة التي تعرّضت للتحرّش وهي نادمة باكية تعتذر عما فعلت، وتتعرض لتأنيب أختها التي تقول بما معناه بأن الشباب يصاب بحمى أوروبا ويعتقد بأن اللباس هناك هو التحرر. تعيد الفتاة اعتذارها للضابط (خالد القيش) فيؤنبها بشدة ويسألها عمَّ تريد أن تعتذر، ويستطرد بموعظة دينية متطرفة عندما يقول بأنه حتى في أوروبا «اللباس الفاضح هو لباس بنات شوارع». أما بنات العيل فيرتدين ملابس محتشمة! علماً بأن البنت ترتدي ملابس عادية جداً، ترتديها نصف بنات سوريا على أقل تعديل، مجرّد بنطال جلد وكنزة، لتشتعل ردّات الفعل الرافضة لهذا الفكر الإقصائي ومنطق الوعظ المتطرف الذي يسيطر على الدراما. ومن ثم يأتي ردّ الكاتب على السوشال ميديا ليزيد من الطين بلّة، معتبراً بأن الخطأ كان في اختيار ملابس عادية للفتاة والمفترض أن تكون أكثر إثارة! ردّت رشا شربتجي بطريقة واعية عندما أوضحت عبر صفحتها العامة على الفايسبوك بأن المطلوب من المشهد تجريم المتحرّش، وما ورد على لسان الضابط يتماشى مع طبيعة الشخصية ومنطق فعلها! وتمنّت أن تحمل الحلقات القادمة فسحة أفضل من الأفكار.
الملفت بأن غالبية الانتقادات اقتصرت على رفض الإملاءات والأسلوب «الداعشي» في العمل من دون التفاتة واضحة لأن الحديث فعلاً يعبّر عن الشخصية، لكن المشهد ككل يطرح الفتاة على أنها مذنبة، والخطير بأن من ردد الكلام الذي تعرّض للنقد هو ضابط، يفترض أن يكون سلوكه في الشكل العام يترجم منطق دولة وسياستها في إدارة الحياة الاجتماعية وضبطها.. إلى جانب شخصية الفنانة التشكيلية المتناقضة بحدّة، التي تقع في فخّ التنظير والحكم الشمولي ومصادرة حقّ الآخرين بشكل المعتقد وطريقة الإيمان ومهاجمة الملحدين، والخلط بين الأخلاق والشكل الخارجي للناس، والربط بين السلوك وطريقة الاهتمام بالمظهر، كما تعممّ بشكل دائم في ما يخص الادعاء الذي يسيطر على الفنانين. كانت تستحق هذه الشخصية نسفاً مطلقاً إلى جانب المعالجة الهادئة المتروية لهذه الجوانب وتخليص الحوارات من الموعظة وإطلاق الأحكام القطعية على الآخرين، واحترام حرية التعبير والمعتقد والمظهر للجميع!
المادة الفنية بشكلها ورؤيتها العامة يجب أن تحترم جميع المعتقدات من دون أن تنضوي بالضرورة تحت أيّ منها..