قبل أيام من حلول شهر رمضان، أصدر «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» في مصر لائحة «ضوابط» على المسلسلات التي ستُعرض على القنوات المصرية. ضمن بيان ضمّ 13 بنداً تحت عنوان «ضوابط مشدّدة للمسلسلات الرمضانية»، رأى أعضاء الهيئة التي تضمّ صحافيين وإعلاميين، أنه يجب «إفساح المجال لمعالجة الموضوعات المرتبطة بالدور المجيد والشجاع الذي يقوم به أفراد المؤسسة العسكرية ورجال الشرطة في الدفاع عن الوطن»!
توقيت البيان طريف، إذ تمّ بالفعل تصوير معظم الأعمال التي ستُعرض على برامج القنوات والمنصات، ولم يعد ممكناً التقيّد بهذه التوجيهات! يضاف إلى ذلك، أنه توجيه لا يحتاج إليه أحد، بخاصة أنّ شركة «سينرجي» المسؤولة عن إنتاج المسلسلات والمالكة للحيز الأكبر من الفضائيات المصرية، تقوم بدورها على أكمل وجه منذ ثلاث سنوات.
كان عام 2020، نوعاً من جسّ نبض الشارع المصري في تقبّل هذه النوعيات. يومها، عُرض «الاختيار» (تأليف باهر دويدار وإخراج بيتر ميمي) الذي رصد حكاية أحد شهداء القوات المسلحة الأكثر شعبية وهو أحمد المنسي. حقّق المسلسل نجاحاً وتأثيراً باهرين، شجّع الشركة المنتجة على عمل جزء ثان، في العام التالي. تميّز الجزءان بحرفية إخراجهما على يد بيتر ميمي، وكتابتهما الدرامية المتقنة، ومزج التمثيلي بالتوثيقي ببراعة، بالإضافة إلى كونهما يرويان أحداثاً وشخصيات عايشها المشاهدون وسمعوا عنها.
نال الجزء الثاني من «الاختيار» نجاحاً لا يقلّ عن الأول، ويبدو أن منتجي العمل وصنّاعه أدركوا ذلك باكراً، فقد أعلنوا في رمضان الماضي أنهم في صدد صنع الجزء الثالث من المسلسل لرمضان 2022. ربما يكون «الاختيار 3» (ON ــ «ART حكايات» ــ «شاهد») مختلفاً عن سابقيه. فالقراءات الأولى توضح أنه يشير إلى دور جهاز المخابرات في الأحداث التي عاشها المصريون في السنوات الأخيرة، لذلك تمّت الاستعانة بالنجم أحمد عز كبطل رئيس. وكان عزّ قد لعب بطولة «هجمة مرتدة» (تأليف باهر دويدار وإخراج أحمد علاء الديب ـ رمضان 2021) الذي تناول دور المخابرات أثناء «ثورة 25 يناير» 2011.
من ناحية ثانية، نُفّذ جزء جديد من المسلسل تحت عنوان «العائدون» (تأليف باهر دويدار ـ إخراج أحمد نادر جلال ــ DMC ـ «دبي» ـ «ART حكايات» ـ «رؤيا» ـ Watch It ــ«شاهد») يشير إلى الداعشيين والجماعات المتطرفة الأخرى الذين عادوا بكثافة إلى مصر في عهد حكم «الإخوان المسلمين». يتناول العمل دور جهاز المخابرات في الأحداث التي وقعت في مصر إبان حكم الإخوان من محاولات ومخطّطات سرية لنشر تنظيم القاعدة في مصر والعالم العربي. يلعب بطولة المسلسل هذه المرة أمير كرارة، الذي أدى بطولة «الاختيار 1» في تبادل للمواقع شبيه بلعبة الكراسي الموسيقية بين أحمد عزّ وأمير كرارة.
على الضفة الأخرى، تضمّن بيان «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» لائحة طويلة من «الممنوعات» للمسلسلات الاجتماعية، من بينها تجنّب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات، وخلو الأعمال من العنف غير المبرر، وعدم اللجوء إلى «الألفاظ البذيئة، والالتزام بالكود الأخلاقي». لائحة المطالب من شأنها تضييق الحريات على المشاريع الاجتماعية التي تجد نفسها مكبّلة أمام العديد من الضوابط.
رغم تراجع عدد المسلسلات المصرية الاجتماعية في رمضان والتركيز على الكوميدي والصعيدي، إلا أنها لا تزال وجبة محبّبة لدى المشاهدين الذين يعرفون أن الاجتماعية هي سمة تلك الصناعة المعروفة عربياً من الفقر وتجارة المخدرات ومعاناة النساء والفساد، كلّها قضايا عربية نقلتها الدراما منذ سنوات إلى الشاشة الصغيرة.
بعيداً عن شركة «سينرجي» الكبرى للإنتاج في مصر، تقدّم «صبّاح إخوان» لصاحبها المنتج اللبناني صادق الصبّاح عملاً سياسياً اجتماعياً، هو «بطلوع الروح» (تأليف محمد هشام عبية ـ إخراج كاملة أبو ذكرى ــ mbc ــ «شاهد») تلعب بطولته منة شلبي، إلهام شاهين وأحمد السعدني، واللبنانيان عادل كرم وديامان بو عبود. صوِّر المسلسل كاملاً في لبنان ويتألف من 15 حلقة تدور أحداثها (المقتبسة عن قصة حقيقية، كما تشير الدعاية) حول زوجة تكتشف أن زوجها ينتمي إلى «داعش» ويختطفها فتحاول الهرب. ينتهي بها المطاف في معسكر للهاربات من التنظيم.
هذا العام، تواصل نيللي كريم رفع راية القضايا الاجتماعية التي اشتهرت بها منذ سنوات. تلعب النجمة المصرية بطولة «فاتن أمل حربي» (إخراج محمد جمال العدل ــ CBC ـ «رؤيا» ـ منصة «شاهد») الذي كتبه إبراهيم عيسى. يجمع المسلسل نيللي مع هالة صدقي، فادية عبد الغني، شريف سلامة، ويعالج قضايا مهمة تعانيها المرأة العربية على رأسها الطلاق وحضانة الأطفال. أثار العمل ضجة عند الإعلان عنه، على اعتبار أن إبراهيم عيسى مثير للجدل وبارع في القصص التي تجمع بين الإشكاليات الدينية والاجتماعية.
«الاختيار 3» يشير إلى دور المخابرات في الأحداث التي عاشها المصريون في السنوات الأخيرة
من جانبه، ينافس هاني سلامة زملاءه بـ «ملفّ سرّي» (تأليف محمود حجاج ــ إخراج حسين البلاسي ــ DMC، و CBC، و MBC دراما، و«الحياة») الذي يفتح ملف الفساد في القضاء المصري. يدور العمل حول قاض يجد نفسه فجأة أمام ملفات فساد تهدّد حياته.
على الضفة نفسها، يطل النجم السوري جمال سليمان في المسلسل المصري الاجتماعي «مين قال» (ﺇﺧﺮاﺝ نادين خان ــــ mbc). يخاطب العمل المراهقين والشباب من خلال طرح عدد من قضايا هذه الشريحة العمرية. في السياق نفسه، يطل خالد النبوي في «راجعين يا هوى» (تأليف الكاتب الراحل أسامه أنور عكاشة، إخراج محمد سلامة ـــ DMC ، و CBC، «شاهد»، Watch It). تدور القصة حول رجل الأعمال بليغ أبو الهنا (خالد النبوي) الذي يقرّر العودة إلى مصر بعد حياة أمضاها في الخارج، وهو محمّل بديون كثيرة. تتصاعد الأحداث، عندما يعود بحثاً عن ميراثه، ومحاولة استعادته من ورثة أخيه المتوفَّى.
تحضر حنان مطاوع من خلال «وجوه» («أبو ظبي»، و«القاهرة والناس«، و«الظفرة») الذي يقدّم حكايتين اجتماعيتين، كل واحدة في 15 حلقة، من تأليف محمد علي إبراهيم. الأولى بعنوان «وش تالت» من إخراج معتز حسام، والثانية بعنوان «وجوه» تحمل توقيع المخرج أحمد حسن. يقدم العمل حكاية فتاة تعاني من مشاكل نفسية ستنعكس على المحيطين بها. ويحضر هذا العام مسلسل «Suits بالعربي» (إخراج مريم الأحمدي ـ شبكة OSN ــــ CBC ـــ منصة Watch It) وهو النسخة العربية من العمل الأميركي الشهير، وبطولة: آسر ياسين، أحمد داوود، صبا مبارك، ريم مصطفى، محمد شاهين وتارا عماد... تأخذنا القصة إلى كواليس عالم المحاماة والقضاء.