لم يغب يوماً الخطاب الذكوري عن الإعلام المحلي. فلطالما شكّل التطاول على المرأة وقيمتها الإنسانية ومظهرها وسلوكها الإجتماعي، المساحة الأرحب لتمرير هذا الخطاب مرة على شاكلة نكات، ومرة اخرى من خلال امتطاء أدوارها الإجتماعية للتصويب عليها وتفريغها من قيمها. في الأشهر الماضية، تصاعد هذا الخطاب بشكل صارخ سياسياً وإعلامياً، وتسلل بدوره الى البرامج الساخرة والحوارية الإجتماعية. في رصد سريع لهذا الخطاب، يتبين مدى تغلغله في الحياة السياسية والإعلامية اللبنانية ومروره مرور الكرام من دون أي مساحة نقدية. خطاب بدأه رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في «عيد الإستقلال» عندما شبّه هذه المناسبة بـ «المرأة المطلقة التي تحتفل بعيد زواجها». والمقصود هنا، القوى السياسية التي تحتفل بعيد «الإستقلال» فيما كان حرياً بها الإتفاق قبل وقوع الانفصال، والمسؤولية هنا، في مضمون كلام ميقاتي يقع بالطبع على المرأة التي وجب عليها الإتفاق مع زوجها قبل الطلاق! كلام ميقاتي الذي اتخذ من الحالة الإجتماعية للمرأة منطلقاً للتشبيه السلبي، لاقى بلا شك موجة مستنكرة على السوشال ميديا، لكن، سرعان ما انطفأت هذه الموجة سريعاً، ليطل علينا ليلة رأس السنة المنجم ميشال حايك، ويعلن تأييده لكلام ميقاتي، ويشبّه ما سيحصل في البلاد خلال الأشهر القادمة بـ «المخاض العسير» وبالمرأة «المطلقة والحامل»، والمراحل السياسية بإنجاب التوائم وأطفال «لا خلقة كاملة ولا نعمة زائدة».
مضمون لاقاه بدوره البرنامج الساخر «مأخر بالليل»، على mtv الذي راح يتفنن بالتعليق مستخدماً خطاباً ذكورياً مهيناً، بداية عندما أبدى اشمئزازه من مخاض المرأة. وبعدها راح يردد سلام الزعتري: «لبنان مرا مطلقة ونايمة مع الناطور، (..)وما منعرف الولد مين بيو». ويعيد على أسماعنا بأن لبنان «امرأة فلتانة وعارفينها مع مين بتضهر بس ميشال حايك عم ستر عليها». هكذا، شرّعت المضامين الذكورية السياسية والإعلامية المجال أمام حفلة من التسابق حول النيل من المرأة وادوارها الإجتماعية والإنسانية، وتحويلها الى مساحة من السخرية والتسليم بها كأنها أمر واقع. هذا الخطاب لم تسلم منه البرامج الحوارية الإجتماعية. في جردة سريعة على مضامين بعض الحلقات، يتجلى هذا الخطاب بشكل أوضح. على سبيل المثال، في حلقة برنامج «فوق 18» على «الجديد»، لم يسع رابعة الزيات سوى التأسف على ضيف «يمثل المجتمع الذكوري»، بعدما كرس البرنامج ضيوفاً تنحصر أدوارهم بالتهجم على المرأة والتقليل من شأنها. وفي حلقة أخرى من البرنامج تناولت التحرش والإبتزاز الجنسي، فتح الهواء أمام الضيف (حنا أنطون)، ليعترف بابتزازه جنسياً عشرات النساء الكترونياً، على مدى ثماني سنوات، وتبرير هذا الأمر بأننا نعيش ضمن «بيئة ذكورية»، و«تحقيق الأنا». وهنا، لم تجد الزيات طريقة لإيقاف هذا الخطاب سوى القول بأنها «تحترم شجاعته»! البرنامج الذي أثار الجدل، يسقطنا، بطريقة حواراته، في فخّ تكريس الذكورية، واعتبار الأفعال الجرمية بحق المرأة مجرد رأي يطرح على التلفزيون، ضمن مروحة من الآراء الأخرى. «فوق 18» لم يكن الوحيد على هذه الساحة، فبرنامج «أحمر بالخط العريض» على lbci الذي دأب لسنوات طوال على اجترار القضايا الإجتماعية عينها، ها هو يعيد تكرارها أخيراً، مع حلقة تناولت زواج القاصرات. هنا، خرجت مضامين فاقعة، تتحدث عن «العار» و ضرورة الستر للمرأة من خلال الزواج. وفي حلقة أخرى من البرنامج حملت عنوان «رجل وامرأة»، كنا أمام ضيوف يكرّسون الخطاب الذكوري، ويكررون بأن المرأة «بربع عقل»، وأن الزواج بها يسهم في احجامها عن «الخطيئة». وللعذرية أيضاً حضورها في البرنامج، من خلال ربطها بـ «الشرف». إزاء كل هذه المضامين الذكورية الفاقعة، لم يسع مالك مكتبي سوى السؤال: «إذا عملت المرأة علاقة كاملة، هل تعتبر شريفة؟». وكلما احتدم الخطاب المهين بحق المرأة داخل الاستديو، لا يسع مكتبي سوى دعوة المشاهدين إلى المشاركة عبر هاشتاغ البرنامج على وسائل التواصل الإجتماعي، من دون أن يقتطع من هذا السياق أو يحاول الحدّ من تأثيره الإجتماعي. وعلى مقلب برنامج «مع تمام» على «الجديد»، الأمر عينه يتكرر مع الضيفات اللواتي يتخذ منهن تمام بليق مساحة لإهانتهن، وربط اللباس والسلوك الإجتماعي بالمسائل الأخلاقية. هكذا، بجردة سريعة، تتراءى أمامنا موجة مخيفة من الذكورية وتكريسها كمساحة اعتيادية في الإعلام اللبناني، من دون النظر الى خطورتها على ذهنية المتلقي وتأثيرها في ما بعد على التعاطي إجتماعياً وإنسانياً مع المرأة.