أن تُحضر شخصيات «سوشال ميديا» معروفة، لا تمتلك أي ميزة حقيقية سوى أنّ لديها followers وتبدأ بالقياس بناءً على رأيها، فاتحاً لها الهواء تحت حجّة «يحق للجميع إبداء رأيه»، فكيف إذا كانت لديها «ملايين» المتابِعين؟ من هنا؛ تأتي لعبة برامج الهامش. توصيف يُعطى للبرامج التي تصوّر الأحداث الجانبية في المجتمع، تسلّط الضوء عليها، وتعطيها مساحةً وضجةً، باعتبارها الأساس، لا الهامش. في هذا الإطار، يدور برنامج «فوق الـ18» للإعلامية رابعة الزيّات على قناة «الجديد». الزيّات جهدت لسنواتٍ لتقديم صورة معيّنة حول نفسها، باعتبارها مقدّمة متزنة، تضحك باتزان، تبتسم باتزان، وفوق كل ذلك كانت برامجها عبارةً عن لقاءاتٍ أشبه بالإجتماعية/ المريحة مع ضيوفٍ معروفين/ مشهورين، إنّما مع الإبتعاد عن لعبة «الترند» والبقاء ضمن جوٍ مريح، لها ولمشاهديها.هذه الأيام، ربما وجدت الزيّات أنَّ نجوميتها قد خفتت، أو لعلّها قررت التغيير لوحدها. لكنها اختارت أن تلبس عباءةً ليست لها، ولا تشبهها. سبقتها في ذلك مقدمة البرامج ريما كركي على القناة ذاتها، حينما جرّبت تقديم برنامج «للنشر» خلفاً لطوني خليفة. لم تكن كركي، كما الزيّات، جاهزةً لهذا النوع من البرامج، كما كانت دون ما هو مطلوب لهذا النوع من البرامج لناحية «التوحش» و«الأسئلة غير المفيدة»، فضلاً عن «استدرار عطف المشاهدين» أو «هجومهم» و«شماتتهم». يأتي برنامج «فوق الـ18»، ابتداءً من تسميته بصفته برنامجاً خارج المعتاد والمألوف، ولجمهور ما فوق «الـ18»، مع إيحاء الكلمة الجنسي. في برنامجها هذا، لدى الزيات panel من المحللين القادمين من مواقع التواصل الاجتماعي أو الإعلام، أو حتى اللاشيء. هذه الأسماء هي: بونيتا سعادة، أبو جبل، رواد نادر، شيرين مكّي، فاطمة صفا، غدي فرنسيس، علي عيتاني، وابراهيم برجاوي. في حلقتها الأخيرة، تستضيف الزيّات رملاء نكد التي لا تمتلك أي ميزة تستحق على أساسها أن تستضاف في قناةٍ تلفزيونية سوى «الضجة» التي تثيرها حول نفسها على مواقع التواصل الإجتماعي. هل تستحق نكد الإستضافة؟ كلا. هل تحقق الضجة التي تريدها برامج الهامش لخلق جمهور؟ بالتأكيد.
تلعب برامج الهامش على فكرة رئيسية في خلق رأي عام حول أمورٍ لا تؤثر في شيءٍ في الفضاء العام، سوى خفض الذوق العام. في الإطار العام: حين ظهرت مواقع التواصل الإجتماعي، جاء معها «نظام أخلاقي جديد»، يسمح لأيّ كان أن يعبّر عن رأيه في كل شيء، حتى في الأمور التي لا شأن له بها. وكان غياب «اللايك السلبي/ عدم الإعجاب» أو unlike مقصوداً، يفتح المجال أمام «الشخص» أن يشارك ويقول ما يريده، سواء في الفن، والسياسة، والثقافة، وحتى الطب وعلوم الفضاء، من دون محاججة، أو فهم، أو حتى ضوابط أو روادع. خلقت السوشال ميديا «ضوابطها الأخلاقية» الخاصة، ومنظومتها التعبيرية، واعتبرت أن أي معارض لهذا الأمر هو «تنمّر افتراضي» (cyber bullying) بمعنى أنه في حال «هاجمت» هذا الشخص أو سواه، يحق له التشكّي عليك، وفي حال كثرت الشكاوى، سرعان ما تتعرض لعقوبات يصل بعضها إلى طردك نهائياً من السوشال ميديا والموقع المذكور.
هنا، في هذا البرنامج، نعود إلى المبدأ نفسه: تُستضاف إحدى شخصيات «السوشال ميديا» التي جرّبت بعد ظهورها الإفتراضي كل وسائل الضجّة حول نفسها: الشِعر، الغناء، إثارة الضجة، والخلافات، لسؤالها حول السوشال ميديا وتأثيرها. لكن السؤال الذي تبدأ به الحلقة ليست له قيمة. الحوار الذي تخلقه رملاء نكد – أو سواها- من خلال ردّها على أي كلمة تهاجمها بها «لجنة التحكيم» الغريبة لهذا البرنامج الأكثر غرابة. تحاول رابعة أن تبقى متوازنة – كعادتها- وأن تطرح الأسئلة التي تذكّر ببرامجها الأولى، ولكن الجو العام ليس مناسباً. فطبيعة شخصيات الضيوف كما اللجنة، لا تراعي مقدماً من نوع مماثل. في المعتاد، تكون لجان التحكيم ذات صفات «اعتبارية». ربما بخلاف غدي فرنسيس، ليس هناك في اللجنة أي «محترفين» مهنيين، وإن كانت هناك أسئلةٌ كثيرة حول افتتان واستخدام الصحافية اللبنانية للسوشال ميديا ولعبها على أوتارها في مراحل كثيرة في حياتها. بونيتا سعادة مثلاً، ليست «نجمة صف أوّل»، وقلة من الجمهور تذكر عملاً تلفزيونياً لها. علي عيتاني لا يعرفه الجمهور من أعمال سابقة (وفي هذا لا إهانة له البتة) وكذلك تماثله فاطمة صفا. أبو جبل، الذي يرتدي الثياب العربية التقليدية، لم يعرف إلا عبر برامجٍ مثل هذه في مواقف «غريبة» و«مستغربة». لربما يحضره إليها أصحاب هكذا برامج ليخلق comic relief وإظهار «رجعية» هذا النوع من الثياب، وفي هذا إهانة كبيرة. رواد نادر من جهته، لديه طريقته الخاصة، لكنها أشبه بما يسمى بالعامية «الجلاوي»، وهو إذ يحوز «محبة» جمهورٍ خاص، هل يناسب «شاشات التلفزة» التي تدخل إلى كل منزل؟ ماذا عن شيرين مكي؟ هي عارضة أزياء سعودية بحسب المعروف عنها، هل لديها ميزات أخرى؟ ماذا عن ابراهيم برجاوي؟ ابراهيم برجاوي الذي يسأل رملاء نكد كمثال: ماذا قدّمت كي يذكرك التاريخ؟ فعلياً هو يسأل هكذا. هذا السؤال بحد ذاته يختصر البرنامج ككل. ماذا كان يريد برجاوي من هذا السؤال؟ هل فعلاً هو ينتظر أن تخبره رملاء عن «إنجازاتها» التي سيذكرها التاريخ؟ أم أن السؤال كان «فخاً»؟ شيرين مكي تشير إلى أن «المجتمع» هو «التافه» الذي أوصل نكد. هذا تعليق أيضاً يشبه فخاً كبيراً: المجتمع هذا هو ذاته الذي تقبّل برامج مماثلة، ووافق على عرضها، وعجّل في تقديمها وإكمال حلقاتها، هل هو تافه؟ لا إجابة. فاطمة صفا، بدورها تحدد ضابطاً آخر: أنا «بعمري» ما فتحت فيديو لرملاء، ما بدي، ولكنها في الوقت نفسه: «لا دخل لأحد في شهرة أحدٍ ما»، و«جمهورها صنعها». إنه «اعطاء شرعية» من نوعٍ خاص، لهذه الشخصية. غدي فرنسيس، تعتبر أنَّ نكد لا حساب عليها، ولا مشكلة، فهي لم تفعل شيئاً، هكذا بكل سهولة: لا ذنب على نكد، و«شو النا معها للمرا»، حسبما تقول فرنسيس بعاميتها؛ مع العلم أن فلسفة البرنامج بحد ذاته قائمة أنّ «له دخل» في كل شيء. الزيات بدورها تعود «للكاركتير» المعتاد لها: إنها تخبر رملاء أنها «تحترمها» و«تحترم» كل إمرأة، في «جملةٍ مفتوحة» للغاية، فليس أي امرأة أو رجل محترماً فرضاً، إلا بحسب سلوكه وتصرفاته بحسب المنطق. الضيفة ذاتها –رملاء- تقول «الشهرة اختارتني» تحت منطق أنّها مجبرة على أن تكون «مشهورة». لكن لا أحد من «اللجنة» يعلّق على هذه الجمل المفتوحة. تحاول الزيّات أن تقاطع ضيوفها/ لجنة تحكيمها، أن تصحح ما يقولونه في لحظات ما، لكنهم ينطلقون كعادتهم في «برامجهم» أو «فيديوهاتهم» على السوشال ميديا غير مستمعين إلا لأنفسهم.
الأسوأ من كل ما عُرض، أنَّ هذا النوع من الميديا/ الإعلام يحاول خلع عباءة الكلاسيكية والتقرّب من السوشال تحت مبدأ «المزج» في محاولة للحصول على نسب متابعة أكبر، وهو أمرٌ يبدو أنه يحوز إعجاب جمهور منهك للغاية بمشاكله الإجتماعية ويحتاج أي «ترفيه/تسلية» مهما كانت تلك «التسلوية».

*«فوق الـ 18»: الثلاثاء ــ 21:40 على «الجديد»