يبدو أنّ طوابير الذلّ التي تشهدها الطرقات جراء أزمة المحروقات، وأفرزت أزمات أخرى تجلّت في سلسلة من الإشكالات الفردية وأوقعت الجرحى، اتجهت بشكل دراماتيكي (أو أريد لها أن تذهب) نحو مستنقعات نفضتها البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاماً. هكذا، أعيدت مصطلحات الحرب الأهلية وخطوط التماس، وعبارة «الغرباء»، الى التداول. مع تصاعد التوتر بين بلدتيّ «مغدوشة»، و«عنقون» أمس على خلفية الإشكال الذي حصل نهار الجمعة الفائت، على إحدى محطات الوقود في «مغدوشة»، تصاعدت لغة الحرب والتخندق الطائفي والمذهبي على المنصات الإعلامية. قناة lbci، كانت الأوضح والأكثر فقاعة في هذا المجال. في وقت رفضت فيه بعض القنوات ادارج الإشكال بين البلدتين ضمن الأطر المذهبية والطائفية، تخندقت المحطة في «مغدوشة» وأعطت الإشكال الفردي أبعاداً طائفية وحزبية، حتى إنّها استخدمت عبارة «خندق الغميق»، وأسقطتها على «عنقون» لتزيد من التنميط المناطقي والمذهبي للحدث. في مقدمة نشرة أخبارها أمس، سألت القناة «من يريد إحياء معركة شرق صيدا التي انتهت منذ ثلث قرن؟»، واعتبرت أن ما حدث قد يجرّ الى «فتنة في الجنوب». تصعيد lbci، وإعطاؤها حادثة مغدوشة-عنقون هذه الأبعاد الطائفية واستعارتها لمصطلحات الحرب، وحتى اصطفافها طائفياً مع إحدى البلدتين، يبدو أنه لم يكن وليد مصادفة. فمن يشاهد تقرير المحطة قبل يومين، عن كيفية تعاطي محطات الوقود مع اللبنانيين، وتصنيفها ضمن خطوط سير بين أبناء البلدة و«الغرباء»، لا يستغرب أداء المحطة، التي راحت وقتها تروّج لهذه الظاهرة التي تميّز بين اللبنانيين، وترسم خطوط تماس حتى على محطات الوقود التي باتت «تفوّل» لأبناء بلدة معينة، مقابل إعطاء كمية قليلة لـ«الغرباء» بحسب ما استخدم من مصطلح في بلدة «البترون» على سبيل المثال. في التقرير المذكور، ترويج لهذه الظاهرة، بالقول بأن غياب الدولة دفع هؤلاء الى «حل مشاكلها بأيديهم»، وفرض كل بلدة نظامها الخاص. هكذا، عند مفترق محطات الوقود، يعود اللبنانيون ثلاثين عاماً الى الوراء، لأنّ إعلاماً في لبنان أراد إحياء هذه الحقبة السوداء من جديد، والحنين الى مصطلحاتها وافرازاتها الطائفية العفنة. هذه المرة، وقع الدور على lbci، التي «تصدّت» لهذه المهمة، ولفحها الهواء «القواتي» على ما يبدو.


اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا