لطالما كان مسلسل Master of None يدور حول حماس مؤلّفه المشارك وبطله الرئيسي، الأميركي عزيز أنصاري الذي اشتهر بدور ممثل نيويوركي يُدعى «ديف شاه». من حبّه للطعام الرائع إلى ولعه بالمدينة التي لا تنام، أتاح هذا العمل الدرامي لأنصاري التعبير عن شغفه بشكل جميل، من خلال كتاباته وتوجيهاته وأدائه. واستحال المسلسل منذ انطلاقه في عام 2015 كذلك وسيلةً لأنصاري لإظهار استمتاعه بالسينما الكلاسيكية. فقد وقّع عدداً كبيراً من الحلقات في الموسمَيْن الأوّل والثاني، استخدم خلالها تقنيات كلاسيكية من السينما الأوروبية في منتصف القرن العشرين.للوهلة الأولى، يبدو أنّ الموسم الثالث الذي يحمل عنوان Master of None presents Moments of Love («معلّم اللاشيء» يقدّم «لحظات في الحب») وأبصر النور عبر «نتفليكس» قبل شهر بعد انقطاع زاد عن أربع سنوات، يتعارض مع اتجاه أنصاري المعهود. فالأخير بالكاد يظهر في الجزء الجديد، وهو واحد من رجلَيْن فقط لهما أدوار بارزة فيه. يرى البعض أنّ الدرب الذي سلكه القائمون على العمل الصادر في 23 أيار (مايو) 2021 يبدو «منطقياً ومفهوماً» بعد فضيحة الفنان البالغ 38 عاماً مع التحرّش والتي ساهمت حملة MeToo# في تظهيرها.
بدلاً من أن تكون شخصية «ديف شاه» في قلب الصورة كما جرت العادة، تركّز الحكاية التي تبتعد هذه المرّة عن الكوميديا على زواج «دنيز» (الأميركية لينا وايث ــ كانت سابقاً شخصية ثانوية) و«أليشيا» (البريطانية نعومي آكي). على مدار خمس حلقات تُراوح مدّتها بين 20 و55 دقيقة (إخراج أنصاري)، ينشأ خلاف بين الثنائي المثلي، ينبع بمعظمه من محاولات الإنجاب، أوّلاً عن طريق التلقيح داخل الرحم وبعد ذلك عن طريق التلقيح الاصطناعي. حتى إنّ مشاكل عزيز أنصاري الرومانسية في الموسم الثالث وظهوره الخاطف تساهم أساساً في تعميق فهمنا للعلاقة بين «دنيز» و«أليشيا» التي تعيش بعيداً عن وطنها الأم.
كسب العمل الرهان حين خصّص حلقة كاملة لرحلة «أليشيا» مع التلقيح الاصطناعي


كسب Moments of Love الرهان حين خصّص حلقة كاملة (52 د) للشخصية التي تجسّدها آكي. هذه الأخيرة، تأخذ المُشاهد في كلّ مراحل رحلتها ــ وحيدةً ــ على طريق التلقيح الاصطناعي، بكلّ ما فيها من انكسار وخيبة وصعوبة وأمل وفرح. ولا شكّ في أنّ هذه المقامرة تؤتي ثمارها أيضاً بفضل تمكّن الفنانة البالغة 29 عاماً من أدواتها التمثيلية. إذ تحملنا إحدى بطلات فيلم Star Wars: The Rise of Skywalker إلى كل جزء من هذه المسيرة العاطفية المتفجّرة.
لحظات تنقلها كاميرا أنصاري بدقّة وواقعية و«فجاجة» متناهية، من دون مواربة إطلاقاً، مستعيرةً صفحة من «كتاب» المخرج السويدي إنغمار بيرغمان ورائعته الدرامية القصيرة Scenes from a Marriage (عام 1973). بناءً على هذه القاعدة، نجد أنفسنا على امتداد المسلسل القصير في صلب أنشطة روتينية وأحياناً لحظات ميلودرامية تشكّل حياة «دنيز» و«أليشيا» المنزلية المثالية ظاهرياً. مثلاً، نشاهدهما لوقت طويل تطويان الغسيل أثناء الرقص على موسيقى R&B من التسعينيات، أو تدردشان أثناء تناول الوجبات مع الأصدقاء، أو تُجريان محادثات عشوائية بعد منتصف الليل.
غير أنّ المشكلة هي أنّه في أحيان كثيرة لا تتعلّق بمحاولة الإنجاب، تتعارض جمالية الصورة في Moments of Love (لحظات حب) مع القصة التي يرويها. ولعلّ ما ينقص هذا النهج الجديد الذي اعتمده صنّاع الجزء الثالث، كتابةً وإخراجاً، هو الفضول المميّز وروح الفكاهة البارزة لدى الشخصيات في الجزءَيْن السابقَيْن اللذين جعلا كل المشاهد، مهما كانت صغيرة، ممتعة... ومضحكة.
يبني Master of None لحظات حب بناءً على فرضية أنّ أسعد حياة لـ «دنيز» و«أليشيا» هي في منزل قديم وجميل في الغابة، وأنّ إنجاب طفل قد يضيف الكثير إلى هذا النعيم! ولكن ماذا لو لم يكن كذلك؟ ماذا لو كانت هناك طرق أخرى لتنظيم الحياة، وتربية الطفل، واعتبار المرء نفسه ناجحاً؟ يغازل Moments in Love هذه الأسئلة، لكنّه لا يتفاعل معها أبداً. والأكيد أنّ الأطر الضيّقة لهذا الموسم لا تسجن الشخصيات فحسب، بل العمل ككلّ!

Master of None presents Moments of Love
متوافر على «نتفليكس»