وسرق لوي فيتون «الحطّة» الفلسطينية؛ هكذا بكل بساطة. لا يستحق الخبر أن يزين بعباراتٍ كبيرة، أو بتأطير: هي الفكرة بهذه البساطة، اكتشف صنّاع الموضة لدى دار الأزياء الفرنسية المعروفة أن القضية الفلسطينية هي «ترند» اليوم. لذلك، وبكل بساطة: أتتهم تلك الفكرة المعجزة: ماذا لو أخذنا الحطّة الفلسطينية، رمز الشعب الفلسطيني الأبدي، وحوّلناها إلى «شيءٍ موضوي» وبعناه بسعرٍ مرتفع الثمن (بحسب الموقع هي مسعّرة بـ700 دولار أميركي) وربحنا منه الملايين. هناك كثيرون في العالم يرغبون بالتوشّح بموضةٍ فلسطينية، خصوصاً أن الصهيوني، وخلال سنواتٍ طوال، حاول سرقة الحطة الفلسطينية التقليدية، عبر العديد من مصممي أزيائه. في العام 2016، سرق مصمم الأزياء الصهيوني يارون مينكوفسكي الحطة الفلسطينية ووضعها على أجساد عارضاته، محولاً إياها إلى فساتين وتنانير، بعضها كان قصيراً. كانت تلك المحاولة البشعة بحسب مينكوفسكي «لتعزيز التعايش». فالحطة الفلسطينية، التي تلثّم بها المقاتلون لإخفاء هويتهم أثناء مقاومتهم العدو -الإنكليزي المحتل وبعده الصهيوني- لم يكن جديراً بها أن تهان بهذه الطريقة. إذا إنها إبان ثورة فلسطين الكبرى في العام 1936 تم تحويلها إلى شعار ونهج. كان الجميع يرتدي طربوشاً بصفته غطاء الرأس التقليدي، فيما ارتدى الثوار «الحطة» (لإخفاء وجوههم). وقتها دفع انسجام المجتمع إلى جعل الجميع يضع الحطّة لإخفاء الثوار في ما بينهم؛ ذلك أن الإنكليز كانوا يعتقلون أي شخصٍ يرتدي الحطّة باعتباره ثائراً، فهل كانوا يقدرون على اعتقال الجميع؟
اليوم تقوم الدار الفرنسية باللعبة نفسها، وإن حاولت إضفاء لعبة التسويق على الموضوع. بحسب بيانها الرسمي: «تم استخدام تقنية نسج الجاكار لإنشاء أنماط مونوغرام المعقدة على قاعدتها من مزيج القطن والصوف والحرير». اللافت أنّ دار الأزياء الفرنسية اختارت ألواناً قريبةً من ألوان علم العدو الصهيوني، فأخذت الأزرق والأبيض من هناك، فهل كان ذلك نوعاً من الدعاية الصهيونية؟ مع أن الدار تتباهى بأنها «محايدة سياسياً»؛ وتذكر أنها لم تلغ عقد عارضتها الفلسطينية الشهيرة بيلا حديد على الرغم من دعمها الصريح للقضية الفلسطينية أخيراً.
يذكر أن استخدام الرموز الأصلية للشعوب، هو نوعٌ من سرقة «تراثهم» لا مجرّد قطعة «نسيج» فحسب. فالسرقة تعرّي هذا الرمز، وتفقده دوره ورمزيته. فالحطة الفلسطينية تعرف بعدّة أسماء تبعاً للمنطقة التي تأتي منها، فهي الغترة والشماغ والمشدة والقضاضة أو حتى الجمدانة (تسمّى هكذا في شرق الفرات)؛ والكلمة الأصلية هي «شماغ» مأخوذة من اللغة السومرية وتعني «غطاء الرأس». وقد ارتبطت ألوان الحطّة بالمناطق التي أتت منها، فكانت الحمراء تشابه المناطق الداخلية، والصحراوية، فيما كانت البيضاء مقاربةً للمناطق الساحلية أو القريبة من الماء. تأتي النقوش على الحطة، رموزاً مرتبطة بالتراث الفلسطيني صاحب الأرض: فالخطوط الممتدة هي رمز للعلاقات التجارية، والبعض يقول إنّها رمزٌ للأنهار الجارية في تلك البلاد، فيما تأتي أوراق الزيتون لتمثّل الشجرة الأقدم في تلك الأرض، فضلاً عن القوة والمرونة والمثابرة. شبكة صيد الأسماك (وهي تأتي في منتصف الحطة) تمثل العلاقة مع البحر والماء وشبكة الصيد.
يذكر أنَّ الصهاينة لطالما حاولوا إما تحويل مرتدي الحطة إلى «أهداف» مثلاً حينما وصف الصحافي الصهيوني برادلي بورستون بعض الشباب «اليساريين اليهود» الذي ارتدوا الحطة باعتبارهم -بحسب رأيه- «فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين حينما ينتقدون كيان الإحتلال». هذا الأمر لم يتوقف عن الرأي، إذ توقفت العديد من المتاجر الأميركية في العام 2007 عن بيع الحطّة، بعدما قام نشطاء صهاينة بالإدعاء على المتاجر التي تبيع بحجّة أنها تدعم «الحركات الإرهابية» من خلال بيعها للحطّة. الأمر نفسه انسحب على شركة «دانكن دونتس» الأميركية الشهيرة، التي سحبت اعلاناً قامت به مقدمة برامج الطبخ الأميركية المعروفة رايتشل راي وكانت ترتدي فيه «وشاحاً يشبه الحطّة» في العام 2011، خوفاً من تهمة «دعم الإرهاب».