يشكّل مسلسل «على صفيح ساخن» واحدةً من التجارب السورية المكتنزة بالنّجوم التي تشي كثيراً بوضع الدراما السورية هذه الأيّام. إنه مسلسلٌ يستعمل تقريباً «سحر» الدراما السورية الأصلي الذي جعلها واحدةً من أهم مدارس الدراما في العالم العربي: قوة أداء النجوم السوريين، والقصة الاجتماعية التي تمس الواقع المعاش بشكلٍ يومي. المسلسل (إخراج الممثل والمخرج سيف الدين السبيعي الذي يشارك أيضاً في المسلسل كممثل ــــ تأليف يامن الحجلي وعلي وجيه). عرف الجمهور سيف الدين السبيعي في مسلسلات ناجحة، خصوصاً تجربته الأولى كمساعد مخرج «سيرة آل الجلالي» (2000). كتب قصة «على صفيح ساخن» الثنائي يامن الحجلي وعلي وجيه، اللذان عرفهما الجمهور مع مسلسلات مثل «أحمر» (2016) و«عناية مشددة» (2015). يأتي النجوم سلوم حداد، باسم ياخور، وعبدالمنعم عمايري في بطولة هذا العمل؛ فيما الأدوار النسائية الرئيسية تأخذها أمل بوشوشة؛ سمر سامي ونظلي الرواس.
كعادة مسلسلات الثنائي الحجلي/ وجيه، يحكي العمل قصةً مفاجئة من عمق المجتمع. بالطبع هي قصة «هامشية» تتناول الحياة السرية لجامعي القمامة... الطبقة التي يمكن اعتبارها أكثر من هامشية كونها في المعتاد لا يتنبّه إليها أحد، فضلاً عن أنّها لا تحظى بأهمية إعلامية إلا إذا ما حدثت جريمة كبرى تلفت النظر إليها. زهير الطير (سلوم حدّاد) صاحب اللقب الغريب «الطاعون» هو زعيم لمجموعة كبيرة من الأطفال/ الكبار الذين يعملون في هذه المهنة التي تدرّ مالاً وفيراً. يدخل المسلسل عالمه الغريب، ذا الأسماء الغريبة (الخفاش والطاعون وسواهما)، الذي لا يعرف المشاهد ما إذا كانت هذه التسميات «حقيقية» تُستخدم بشكلٍ فعلي في هذا الوسط، أم أنّها استخدمت «إبداعاً» درامياً فحسب. هلال (باسم ياخور) هو ابن أخت الطاعون، القادم من الخارج، الذي يسعى للحصول على «مالٍ» اشترك والده و«الطاعون» في مشروعٍ عليه، وأكله الطاعون عليه. في الوقت نفسه، يكثر العنف في المسلسل، لربما في لغةٍ منطقية حقيقية لهذا المجتمع، وهو ما يعطي جواً حقيقياً للمسلسل.
سلوم حدّاد واحد من أفضل الممثلين العرب، قادر فعلياً على إقناعك بأنك أمام شخصية «حقيقية»


أدائياً؛ سلوم حدّاد واحد من أفضل الممثلين العرب والقادر فعلياً على إقناعك بأنك أمام شخصية «حقيقية». هو لا يمثّل أنه «الطاعون»، بل هو فعلياً «الطاعون» بكل ما في تلك الشخصية من صفات، وعادات، وسلوكات. يغوص في الشخصية، كعادة الممثلين الكبار، ويعيشها، ويحيا بها تماماً. حداد شأنه شأن باسم ياخور، الذي يمتلك قدراتٍ مشابهة، وكلاهما method actor؛ وإن كان «سحر» ياخور قد خفت خلال الأعوام الفائتة لابتعاده عن أداء أدوار تظهر مقدراته المرتفعة وذات التقنية العالية. ذلك لا يعني البتة، أن أداءه هنا سيّئ أو ضعيف. بالعكس هو يستطيع إقناعك تماماً بالشخصية، لكن حتى اللحظة، حدود هذه الشخصيات، لا تتيح له إظهار ما يملكه كما فعل حين أظهر الكاتب ممدوح حمادة في شخصيتَي «جودة أبو خميس» في «ضيعة ضايعة» مثلاً، أو «توفيق بو قعقور» في «الخربة». يامن الحجلي (عياش الأعرج) يقدّم شخصيةً مختلفةً هذه المرّة، وهو يثبت في هذا المسلسل أنه يعمل على تطوير أدائه، فغيّر من ملامحه كثيراً، حلق شعر رأسه، وغيّر من طريقة مشيته، وإن كانت طريقة لفظه لا تزال هي ذاتها، وهو ما كان ينبغي له تغييره، ولو قليلاً. لكن إجمالاً يمكن القول بأن الحجلي يقدّم شيئاً مختلفاً عن معتاد أدائه هذه المرة، وأكثر نجاحاً بالتأكيد. ينجح عبدالمنعم عمايري (أبو كرمو) بدور، تاجر الحلويات الذي يخبئ خلفه مهنته الحقيقية: تاجر «الحسّاس» أو حبوب الكبتاغون كما يسمونها في عالمها بحسب المسلسل. أمل بوشوشة (هند) شقيقة هلال، وابنة أخت الطاعون، تحاول أن تغير من نمطية أدائها، ولكنها حتى اللحظة، تكرّر النمطية ذاتها: لا نبرة صوت مختلفة، لا سلوك جسدياً مختلفاً، حتى تقريباً تمثل بتسريحات الشعر والماكياج نفسهما. اللافت في المسلسل هو الممثلة الشابة جنى العبّود (تمارا). بحسب أدائها في المسلسل، تثبت أنّ لديها مستقبلاً واعداً كثيراً؛ أدّت الفنانة الشابة بلا ماكياج تقريباً، بواقعية كبيرة، وذكّرت كثيراً ببدايات النجمتين كاريس بشّار، وديما قندلفت. من جانبها، نظلي الرواس، شأنها شأن مuن عبدالحق، يقدمان أداء متميزاً للغاية، هي بدور «أم كرمو» المتدينة التي تبتعد كثيراً عن شخصياتها التي قدّمتها في السابق، فيما يخوض معن عبدالحق تجربة مختلفة تبتعد كثيراً عن معتاده، فيخلق شخصيةً مختلفة للغاية. أما سمر سامي، فهي تؤدي باحترافية كعادتها. دورها مشغول على تقنية twist من الكتابة الإبداعية، حيث توحي بأنها شخصية، فيما يكتشف المشاهد لاحقاً أنه أمام شخصية مختلفة تماماً.
كتابةً، يسعى الثنائي يامن الحجلي وعلي وجيه إلى تقديم دراما مختلفة ككاتبين. عادةً لا ثنائيات في الكتابة في الدراما العربية. لذلك هذه المحاولة هي محاولة جادة فعلياً لتغيير المعتاد، لكن حتى اللحظة لم ينضج الثنائي إلى المرحلة التي يمكن القول فيها بأنّ مسلسلهما قد حقّق تميزاً أكثر. يمتاز ما يكتبه الثنائي بكونه «واقعياً» إلى حدٍّ كبير، ويحب تناول زوايا «مجتمعية» لا يتناولها غيرهما، وهذا يُحسب لهما. إخراجياً، يحاول سيف الدين السبيعي أن يقارب عالماً مختلفاً وتصوير قصة مختلفة، ويمكن القول بأنه نجح في تقديم عالم مختلف، وخصوصاً حينما يقارب جامعي القمامة وعالمهم الخاص. هو يحاول -كمخرج- أن يوازي بين القصص المتعددة في المسلسل، كما العوالم المختلفة، وهذا ما ينجح به.
قد يعاب على المسلسل أنه لا يمكن اعتباره مسلسلاً رمضانياً. هو ينفع ضمن السباق الدرامي الرمضاني بالتأكيد، خصوصاً أنّ الجمهور «منهك» بشكل كبير ولا يتشجّع لمشاهدة حكايات «جامعي القمامة» في شهر يأتي هذا العام محمّلاً بأزماتٍ اقتصادية، واجتماعية في العالم العربي.
أمرٌ آخر يعاب على المسلسل أن جميع شخصياته - كعادة ما يكتبه الثنائي الحجلي ووجيه- سلبية وليس فيها تقريباً أي جوانب إيجابية، إلا في ما ندر، وليس فيه أي قصة «حب» تخفّف وطأة المسلسل ولو قليلاً. على الرغم من الجهد الواضح المبذول فيه، قد لا يدخل المسلسل في سباقات «الأفضل» وهو لربما خانه زمن العرض.

«على صفيح ساخن»: 00:00 على «لنا»،
«سوريا دراما» (13:00 - 21:00)
«روتانا دراما» (00:00 - 12:00)
LBC (10:00)
الفضائية السورية 17:30

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا