قد يكون سهلاً الحديث عن القنوات الدينية. لكن ليس هيناً أن تذهب كاميرا تلفزيون إلى مقارها وتتعقب تمويلها وتواجه «أبواقها». هذا ما فعلته «bbc عربي» في فيلمها الوثائقي «أثير الكراهية» (تقديم نور الدين زورقي، وفكرة وإعداد عمر عبد الرازق) الذي بُثّ الاثنين الماضي.
بعد 6 أشهر من رصد فريق الإعداد لقنوات دينية، ارتأى التركيز على 6 منها تتبنى خطاباً مذهبياً استفزازياً. رحلة الشاشة البريطانية بدأت من العراق، مروراً بمصر فالكويت، وأخيراً لندن. لكن لماذا هذه البلدان تحديداً؟ ببساطة، لأنّ غالبية القنوات الدينية تتخذ من العراق ومصر مقراً لها، كما يتبيّن أنّ للكويت صلة مباشرة بتمويل بعض هذه المحطات. أما لندن، فقد استغلها بعض المالكين، مستفيدين من هامش الحرية فيها.
بداية، كان لا بد من التوقف عند تاريخية الخلاف السني ـــ الشيعي والبعد العنفي الذي بدأ يأخذه اليوم. في بلاد الرافدين مثلاً، صار العنف جزءاً من اليوميات، بسبب الاحتقان المذهبي الذي يشكل الخطاب الإعلامي التحريضي جزءاً منه. خطاب عززته بحسب «بي. بي. سي.» الفضائيات التي تبث الكراهية بين المذهبين وتحرّض على الاقتتال. ويبقى السؤال الأساسي الذي يريد الفيلم (46 دقيقة) معالجته، هو «لماذا تُبَث هذه الخطابات، ومن يقف وراءها؟».
يُسّجل لفريق العمل شجاعته في الدخول إلى هذه القنوات التي يخفي بعضها مكانه. لكن كاميرات bbc ثابرت على الاقتحام، إذ كانت أوّل من دخل إلى «الأنوار 2» في العراق، وبعدها إلى «أهل البيت» التي منع بثها مراراً بسبب خطابها التحريضي المذهبي، وتبيّن أنّها تبث من الولايات المتحدة. الأخطر من هذا، وفق ما يُظهره التقرير، هو استجداء العون عبر فتح باب التبرعات لهذه القنوات. وفي المحصلة استسلام للواقع، فالحكومة العراقية عاجزة تماماً عن إقفال هذه القنوات وتجفيف منابع تمويلها.
وإلى مصر، حيث أكبر مراكز الإنتاج العربي، توجهت bbc وتحديداً إلى «الأزهر» حيث اختارت الشيخ محمد الزغبي صاحب «أشد الخطابات كراهية بحق الشيعة». في المحروسة، بدأت هذه الخطابات تتنامى بعيد سقوط حسني مبارك. وفي محطة «صفا»، لا يجد أحد مذيعيها ضيراً في القول: «فلتكن الطائفية هي الحل». وتعتبر «صفا» من أكثر القنوات تجهيزاً وتفوق كلفة إنتاجها أكثر من 450 ألف دولار أميركي.
الوثائقي لا يتوقف هنا، بل يستند إلى وثيقة داخلية من القناة المذكورة تظهر أنّها تُدار وتموّل من قبل رجل الأعمال الكويتي خالد العصيبي. هنا، كان لا بد من التعريج على الكويت وتقفي أثر المتموّل، لكن المهمة باءت بالفشل. وفي لندن أيضاً، العديد من القنوات المشابهة التي استغلت مناخ الحريات
هناك.
واللافت هو إنشاء محطة تسمى «وصال فارس» التي تبث باللغة الفارسية، وتموّلها السعودية، كما تبث خطاباً تحريضياً تدعو فيه إلى «الانتفاضة وقلب النظام الإيراني».

يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab






عجز السلطة

عشرات القنوات تبث الخطاب التحريضي الطائفي ولم تقو أي جهة رسمية رقابية على ردعها أو إقفالها بشكل نهائي. في البلدان الأربعة التي زارها الوثائقي المذكور (العراق، والكويت، وبريطانيا، ومصر) عمد القائمون على العمل إلى الإضاءة على الجانب الحكومي الرسمي المولج بمراقبة وإعطاء التراخيص لهذه القنوات. الا أن عجزاً واضحاً يظهر عند استصراح هذه الجهات. مدير «نايل سات» في مصر صلاح حمزة أكد على صعوبة هذا الضبط حين قال بأنّ شركته لا «تستطيع مراقبة أكثر من 700 قناة على قمرها». هذا ما يحدث مع OFCOM (المسؤولة عن البث السمعي البصري البريطاني). لدى استصراح مسؤوليها في لندن، تبيّن أنّها وجّهت إنذارات عدة بحق هذه الفضائيات لكنّ ذلك لم يمنعها من البث على أراضيها.