قبل أن تغادر بيتك في رحلتك اليومية السعيدة في شوارع دمشق المتلَفة، إذا كنت من سكّان أقدم عاصمة في التاريخ، كما يتغنّى بها الإعلام السوري، عليك أن تغفل عينيك عن الطوابير التي تقصم ظهر المدينة، وتُجهز على معنويّات قاطنيها! دَوْر البنزين الذي بالكاد تلاشى أخيراً بعد ارتفاع ثمنه إلى الضعف، شكل الأقفاص الموحشة والمعدّة لتنظيم وقوف المواطنين على الصفّ الطويل عند بوابات الأفران، ليحصّلوا ربطة خبز بعد تبديد يوم كامل في الانتظار... دورّيات شرطة تلاحق المتسوّلين وبائعي الدخان، وبائعي الخبز المهرّب من دور الفرن. الخبز يوزّع وفقاً لنظام «البطاقة الذكية» الابتكار السوري المعاصر! وإن رنّ هاتفك بنغمة رسالة قصيرة، فذلك كي تبلغك شركة «تكامل» بوصول دورك في تبديل مخصصاتك من الغاز، عادي! عليك أن تحتاط، وتجهّز نفسك لتجري وتبدّل الجرّة خلال 24 ساعة من وصول الرسالة! أما إذا كان مشوارك ليلياً، فستحتاج براعةً في قراءة النجوم لتهتدي إلى طريقك لأن الظلام يسطو على كلّ شيء، وساعات تقنين الكهرباء تحقّق ازدهاراً ساطعاً. صحيح أنّ الكهرباء توزّع بشكل طبقي مقيت بمعنى عدد ساعات التقنين في الأحياء الراقية أقلّ من غيرها من الأحياء والعشوائيات، لكن ذلك مجرّد خطة تمهيدية مُحكمة لدخول نظام الأمبيرات، وتحويل الكهرباء إلى قطاع خاص تُشترى بالفلوس! كلّ ذلك سهل، لكن الأهم ألّا تنسى شروالك، والشارب والخال الاصطناعيين، لأنها مقوّمات الحياة السعيدة في الشام اليوم، بعدما بدت ملامح الموسم الرمضاني تشي بأنّ نصف الدراما التي سنشاهدها شامية. فرغم كلّ ما سبق من معطيات ربما تولّد دراما استثنائية في حال فكّر منتج ما في تبنّي واقعه، إلّا أن الشركات وصنّاع الدراما السورية لهم رأي آخر على ما يبدو! رأي يتلخّص في إنجاز أكبر عدد ممكن من الدراما الشامية بمفاتيحها ومفرداتها، وطقوسها وحالتها الفولكلورية نفسها، مع تعديلات طفيفة في جوهر البناء الحكائي، وتغيير ناعم على مستوى فريق الممثلين، إضافة إلى فرق واضح في الميزانية. فبعضهم ينجز بفتات، والآخر يدخل الفريق الأساسي شركاء معه بنسب بسيطة من الربح في حال تحقّق، وهناك من يخصّص ميزانيات حقيقية ولو كانت التجربة محفوفة بمخاطر الخسارة وضعف التوزيع.هذا العام تنجز الدراما السورية مجموعة كبيرة من المسلسلات الشامية أوّلها «حارة القبة» (60 حلقة ـــ كتابة أسامة كوكش وإخراج رشا شربتجي وإنتاج شركة «عاج»/ هاني العشي) الذي يؤدّي بطولته كلّ من: عباس النوري، سلافة معمار، فادي صبيح، خالد القيش، ندين تحسين بيك، نادين خوري. يقدّم العمل قصّة لا تخرج من قالب الحالة الشامية، لكنها تجرّب التفوّق على نفسها من خلال التشويق إلى حدّ ما، وسبك حكاية تدور في زمن السفر برلك من دون التعريج على المطرح التاريخي إلّا بخلفية ناعمة جداً، والتدوير بين المطارح التي يلعبها الممثلون عادة بالاتّكاء على خبرة رشا شربتجي، واجتهادها ومحاولتها بتجديد تقني، أو صياغة بصرية تزيد من الحالة التشويقية للعمل!
المسلسل الثاني سيكون «سوق الحرير2». بعد فشل جزئه الأوّل رغم حشد النجوم الذين لعبوا فيه وهم: بسام كوسا، سلوم حداد، كاريس بشار، فادي صبيح، ندين تحسين بيك وآخرون، قرّرت mbc المنتجة الفعلية للمسلسل تغيير طاقم العمل. هكذا، غيرّت الكاتب بعدما كتبت جنان المهرجي الجزء الأوّل، ليصبح النص مع سيف حامد، واتفقت مع المثنى صبح ليتولّى مهام الإخراج خلفاً للأخوين بسّام ومؤمن الملّا. على أمل أن تتغيّر تصاعدية الحكاية وتشتد وتجرّب القبض على جمهور أوسع!
من ناحيتها، تجهّز «غولدن لاين» (ديالا ونايف الأحمر) لمجموعة أعمال بعد خوض تجربة العشاريات. بين هذه المسلسلات «العربجي» (عمل شامي كتابة عثمان جحى وإخراج تامر اسحق وبطولة باسم ياخور، ومن المرجّح أن تقاسمه البطولة كاريس بشّار). المسلسل بحسب كاتبه يروي سيرة صعود رجل من القاع الدمشقي المعدم بعدما كان يعمل «عربجياً» أي قائم على وسيلة نقل، ليسيطر على تجارة القمح التي كانت في أيدي العثمانيين آنذاك، بمعنى أنه يحظى بسطوة اقتصادية واسعة بعدما كان فقيراً.
أيضاً سيكون المشاهد على موعد مع عرض مسلسل «أولاد سلطان» (كتابة سعيد الحناوي وإخراج غزوان قهوجي إنتاج «شقرة للإنتاج الفني» ـــ من بطولة حسام تحسين بيك وسليم صبري ويحيى بيازي وماهر شقرة وعبد المنعم عمايري..) وهي حكاية تقدّم صيغة تقليدية لصراع المال والسلطة والجاه في حارة شامية، وبتفاصيل ربما تكون مكرورة تقلّد كل المسلسلات الشامية التي سبقتها!
وتستمر شركة «قبنض» في إنتاج أجزاء جديدة من سلسلة «باب الحارة» (كتابة مروان قاووق إخراج محمد زهير رجب بطولة: زهير عبد الكريم، رضوان عقيلي، نجاح سفكوني، قاسم ملحو، أمية ملص، زهير رمضان، فاتح سلمان، رنا الأبيض، مصطفى المصطفى، بلال مارتيني). المسلسل يقدّم عملاً شامياً مستقلّاً لُصق زوراً باسم السلسلة الشهيرة بعدما تمكّن محمد قبنض من سلب بسّام الملا حقوق إنتاج هذا العمل!
الشركة ذاتها ستقدّم جزءاً ثانياً من «بروكار» (كتابة سمير هزيم وإخراج محمد زهير رجب بطولة: عبد الهادي الصبّاغ، سلمى المصري، زهير رمضان، رنا الأبيض، قاسم ملحو، علاء القاسم، وزينة بارافي). قدّم العمل في جزئه الأوّل حكاية تخللتها مطارح درامية لها علاقة بصناعة «البروكار» الشامي، ومحاولة أحد المهندسين الفرنسيين سرقة هذه الصناعة والخروج بصنعة بديلة للقضاء على الصنعة الوطنية المحلية في أربعينات القرن الماضي. وجرّب إضافة جرعات تشويقية على خلفية المحور الجوهري للحكاية من خلال جرائم قتل متتالية تدور خيوطها على خلفية الحدث الرئيسي، وتصفيات لضبّاط فرنسيين، وسيستمر بالروي ضمن هذا السياق في جزء ثانٍ يباشر التصوير فيه قريباً.
«أولاد سلطان» يقدّم صيغة تقليدية لصراع المال والسلطة والجاه في حارة شامية


أخيراً دخلت شركة إنتاج جديدة على خط الدراما السورية هذا الموسم. رغم الحصار الاقتصادي وتأرجح الليرة السورية، وتهاويها، اختار رجل الأعمال السوري ماهر البرغلي خوض هذه المغامرة معوّلاً على خبرة النجم أيمن رضا الذي يدير له شركته الوليدة التي سمّاها MB. وقد باشرت منذ فترة بتصوير مسلسلها الشامي «الكندوش» (خزّان للقمح والحبوب يكال منه بموازين محددة أيّام زمان ــــ العمل يتألف من 60 حلقة، كتابة: حسام تحسين بيك، إخراج: سمير حسين، بطولة: أيمن زيدن، سلاف فواخرجي، شكران مرتجي، أيمن رضا، فايز قزق، تيسير إدريس، رضوان عقيلي، كندة حنا، جفرا يونس، همام رضا، فاتح سلمان، حازم زيدان...). تدور القصة في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، بدون سبك تصعيدي تقليدي في الأحداث، إنما من خلال نسج معطيات مكثّفة أكثر خصوصية، في جوهر كلّ شخصية، وتوريط المشاهد في تعقّب مصائر هذه الشخصيات، منطلقة من رجل ثري وخيّر، له هيبته ووقاره وحضوره في الحارة الشامية، وقصّة غرامه الصادمة مع امرأة أرملة غير زوجته وأمّ أولاده. ومن ثم هناك الصراع الدائم بين محورين، أحدهما يتمثّل في شرّ شبه مطلق، يجسّده شاب يريد تطويع الحياة، وتحقيق الأحلام عن طريق السرقة والسطو، فيما سيكون المُشاهد لاحقاً أمام فرصة تأملية، من خلال شخصية مغسّل أموات، وستترك أسماء الشخصيات ومنطقها وبناؤها عموماً إتاحة واضحة لتلقٍّ مختلف، وفرجة شعبية عالية، معافاة من الاستعراضات المجانية، والادّعاءات الواهمة، والقضايا الفضفاضة على مثل هذه النوعية من المسلسلات.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا